«الزمن الجميل».. هـل كـان جميـــلاً حقــاً؟! الحلقة 26
- مروان ناصح الثلاثاء , 30 سـبـتـمـبـر , 2025 الساعة 2:14:59 AM
- 0 تعليقات
مروان ناصح / لا ميديا -
معارض الكتب.. حين كان الموعد السنوي موعداً مع القلب والعقل
في الزمن الجميل، لم تكن معارض الكتب مجرد خيام تُقام ومجلدات تُباع، بل كانت احتفالات فكرية مهيبة، نهراً من العناوين والألوان والعلاقات، وكانت لحظة دخول المعرض تشبه دخول حديقة سريّة لا تُشبه شيئاً سواها.
الاستعداد للمعرض..
شوق يسبق الحدث
كان عشّاق الكتب ينتظرون موعد المعرض كما يُنتظر العيد، يتحدثون عن دور النشر المشاركة، ويُعدّون قوائم الكتب، يُوفّرون جزءاً من رواتبهم، ويُوصي بعضهم بعضاً بعناوين، كأنها وصفات سرية للروح.
وما إن يفتح المعرض أبوابه، حتى يدخل الناس بخطى محمومة وقلوب متلهفة.
جولة داخل المعرض..
تَيهٌ محبب
المعرض لم يكن مجرد مكان للشراء، بل متاهة عاشقٍ للمعرفة، تنتقل من دار إلى أخرى، من رواية إلى ديوان، من فكرٍ إلى تراث، من مجلة قديمة إلى توقيع جديد... وتلتقي أحياناً بكاتبك المفضل دون موعد، فتتلعثم، وتطلب توقيعه على غلافٍ ترتجف يدك وأنت تمدّه.
طقوس الشراء.. أكثر من تبادل نقدي
حين تشتري كتاباً، لم تكن تدفع مالاً فقط، بل كانت الصفقة مزيجاً من الشغف والاقتناع، تُقلب الكتاب، تقرأ المقدمة، تنظر إلى التصميم، ثم تُقرّر وكأنك تختار رفيقاً لرحلة طويلة.
كان الكيس الممتلئ بالكتب أشبه بكيس كنز لا يُقدّر بثمن.
اللقاءات الثقافية..
مهرجان موازٍ
لم يكن المعرض صامتاً، بل نابضاً بالندوات، وحفلات التوقيع، وحلقات النقاش، والأحاديث الجانبية.
يجلس الكتّاب بين الناس بلا كبرياء، ويتحدثون بعفوية عن الكتابة، وعن الحياة، وكأن المعرفة في الزمن الجميل كانت تُنبت تواضعاً، لا غُروراً.
العلاقة مع بائعي الدور..
ودّ لا يُنسى
كنت تعرف بائع "دار الشروق"، وتتبادل النكات مع بائع "دار الآداب"، ويُعطيك أحدهم خصماً لمجرد أنك قارئ حقيقي. كانوا يحترمون من يقرأ، ويُحبون من يسأل، ويبدو أن البيع لم يكن هدفهم الوحيد، بل كان لديهم إيمانٌ سرّي بالكلمة.
المقارنة مع المعارض اليوم
اليوم، تغيّر وجه المعارض. صار كثير منها مزدحماً بالإصدارات الضعيفة، ومكتظاً بالزائرين لا بالقرّاء، تغيب عنه بعض الدور الأصيلة، ويبدو أحياناً مهرجاناً تسويقياً لا مهرجاناً للمعرفة.
لكن الذاكرة لا تزال تحفظ رائحة الورق، وصوت المثقفين وهم يختلفون بشغف.
الخاتمة:
معارض الكتب في الزمن الجميل، كانت أعياداً للعقل، ومواسم للصداقة، وأراضي خصبة للدهشة، خرجنا منها محمّلين لا بالأكياس فقط، بل بأسئلة جديدة، وبنسخةٍ محسّنة من أنفسنا.
فهل بقي لنا من تلك المعارض سوى صور باهتة؟! أم ما زال في الزوايا كتاب ينتظر قارئاً يشبهنا؟!
المصدر مروان ناصح
زيارة جميع مقالات: مروان ناصح