مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
الكتاب.. حين كان الغلاف بوابة لعالم آخر
كانوا يقولون لنا: افتح الكتاب.
لكن الحقيقة، كنا نفتح أبواباً لا نعرف إلى أين تقود، ولا نريد أن تُغلق.
في "الزمن الجميل"، لم يكن الكتاب مجرد وسيلة تعليم، ولا غرضاً ثقافياً للزينة، بل كان رفيقاً، ومدرّساً، ونافذة على ما لا يُقال في البيوت.
لم يكن هناك إنترنت ولا "بودكاست"، ولا خلاصات يومية... لكنْ كانت هناك كتب تُؤنس الوحدة، وتُربّي الذوق، وتوقظ الأسئلة.

حين كان شراء الكتاب احتفالاً
كان الذهاب إلى المكتبة الصغيرة في المدينة رحلة شبه طقسية. نختار كتاباً بالغلاف الأجمل، نتصفحه بنهم، ونقرأ أول سطر كما يقرأ العاشق أول رسالة.
كان للكتاب ثمن؛ لكن قيمته تفوق بكثير ما يُدفع عليه. وكان بعضنا يخبّئه من الأهل، خوفاً من اعتراض، أو لأن محتواه "أكبر من عمرنا"؛ لكننا كنا نقرؤه كمن يرتكب معرفة لا تُغتفر.

الكتاب المدرسي.. وطقوسه الخاصة
حتى الكتاب المدرسي، رغم رسميّته، كان يُعامل باحترام، يُغلّف بعناية، ويُكتب عليه الاسم بخط جميل، وكان كثيرون منا يضعون بين صفحاته زهوراً مجففة، أو أسراراً صغيرة.
كان التلميذ الذي يطوي الصفحات أو يشخبط عليها، يوصف بأنه "لا يحب العلم" حقاً. فالكتاب لم يكن مجرد مادة دراسية، بل جزءاً من الشخصية.

المكتبة المنزلية.. مرآة الأسرة
في كثير من البيوت، كانت المكتبة الخشبية الصغيرة أيقونة فخر. حتى إن لم يُقرأ كل ما فيها، فوجودها بحد ذاته كان تعبيراً عن قيمة معرفية تُحترم.
وكان من الطبيعي أن تجد كتباً عن الأدب، إلى جانب كتب الطبخ، ودواوين الشعر، وكتب دينية، وكانت الكتب تنتقل من جيل إلى جيل، تُهدى، تُعار، تُستعاد... أو تضيع في طريقها فنتحسر على غيابها كما نتحسر على صديق.

المعرض السنوي..
موسم الاكتشاف
لمعرض الكتاب زمنه أيضاً. كان موسماً ثقافياً، ومهرجاناً شخصياً، يحمل فيه الأطفال كتب المغامرات، والطلاب يحملون كتب التخصص، ويحمل الآباء والأمهات شيئاً من الحنين، أو من الحكمة المؤجّلة.
كان البعض يُخطط شهوراً لتلك الزيارة، ويخرج محمّلاً بأكياس ثقيلة، ومشاعر خفيفة لا تُنسى.

ومن الورق.. إلى اللمس البارد
اليوم، تغيّرت العلاقة بالكتاب. صار كثيرون يقرؤون مقتطفات لا كتباً، ويلخّصون الروايات، ويستهلكون الأفكار بسرعة.
صحيح أن القراءة الرقمية فتحت مجالات عظيمة؛ لكنها أخذت معها شيئاً من الرهبة، من الرومانسية، من الصداقة الحميمة بين القارئ والكتاب.
بات الطفل يُعطى "رابطاً" بدلاً من قصة، ويُقال له "اسمع"، لا "اقرأ"، في حين أن فعل القراءة نفسه كان عملية تأمل وتكوين.

خاتمة:
في الزمن الجميل، كان الغلاف الجميل مدخلاً، والعنوان المدهش وعداً، والفصل الأول مغامرة لا عودة منها. وكان القارئ يقرأ لأن في الكتب من يشبهه، أو من يريد أن يكونه.
اليوم، نحتاج إلى إعادة صلة الرحم مع الكتب؛ لا لنعود إلى الماضي، بل لنستعيد تلك البوصلة الداخلية التي كانت تعرف أين تجد الحكمة، وكيف تكتبها في القلب.

أترك تعليقاً

التعليقات