مروان ناصح

مروان ناصح / لا ميديا -
رفاق القلب.. الأصدقاء في مرحلة المراهقة
كالنوافذ التي تُطل منها الأرواح على ضوء الخارج، كان الأصدقاء في المراهقة هم المرآة الأولى التي نرى بها أنفسنا، واليد التي تُمسك بنا حين لا نفهم العالم ولا نفهم أنفسنا.
لم يكونوا مجرد أشخاص نتبادل معهم الضحك والحديث، بل كانوا الوطن الصغير الذي نحتمي به من ريح التغيرات العاتية.

الصديق.. 
أكثر من مجرد زميل
في الزمن الجميل، لم تكن الصداقة تبدأ برسالة، ولا تنتهي بحذف من قائمة. كانت تبدأ بنظرة خجولة في ساحة المدرسة، أو بمقعد مشترك، أو بدفتر استعاره أحدهم ثم أعاده بابتسامة. من تلك اللحظات الصغيرة كانت تنمو شجرة من الثقة والتواطؤ اللطيف.

لغة خاصة لا تُدرّس
كان بين الأصدقاء لغة لا تُكتب في المناهج: نظرة نفهم منها ما لا يُقال، وكلمة سر صغيرة تُضحكنا حتى الدموع، أو اتفاق صامت على الهروب من حصة مملة، لنقف في الزاوية الخلفية من الفناء، نحلم بشيء لا نعرفه.

تبادل الأسرار وقلق البوح
في جلسات قصيرة بعد المدرسة، أو في ممر ضيق خلف الباب الخارجي، كانت تُقال أسرار كبرى، نبوح بما لا نجرؤ على قوله في البيت، نتحدث عن أول إعجاب، عن الخوف من الامتحان، عن الأحلام البعيدة التي لا نثق بها، إلا أمام أعين الصديق.

رفاق ضد العالم
كان الشعور بأننا "معاً"، يجعلنا نجرؤ على أشياء لم نكن لنفعلها وحدنا: الدفاع عن بعضنا أمام المعلم، الوقوف في وجه تنمّر خفي، مشاركة وجبة بسيطة كأنها كنز.
كنا نواجه العالم بأيدٍ صغيرة متشابكة، وقلوب لا تعرف الخيانة.

أول مرة نشعر بالخسارة
كان فقدان صديق أشبه بزلزال في النفس.
أن ينتقل إلى مدرسة أخرى، أو يبتعد فجأة بلا سبب، كان ذلك يُعلّمنا معنى الفراغ.
وفي صمتنا الطويل كنّا ندرك أن العلاقات ليست دائمة، وأن أجمل الأشياء لا تُؤخذ كأمر مُسلَّم به.

من الصداقة إلى الهوية
من أصدقائنا كنا نأخذ شيئاً منا لا نعرفه، ونمنحهم جزءاً منا، دون أن نشعر. كنا نكبر معاً، ونتغير معاً، ونتعلم من خلالهم كيف نكون أنفسنا.
كانت الصداقة مرآة تُظهر ملامحنا، قبل أن نعرف كيف نصفها بالكلمات.

الضحكة التي لا تتكرّر
ولعل أكثر ما يبقى من تلك الصداقات هو الضحك؛ ضحك نقي، بريء، متواصل، لا يشبه ضحك الكبار، ولا يُقلد ضحك الشاشات. ضحكٌ يُقال فيه كل ما لا يُقال.

مقارنة عابرة 
مع صداقة اليوم
اليوم، يتسع مفهوم الصداقة ليشمل مئات الأسماء، في هاتف صغير؛ لكن يبقى الشعور بالدفء الحقيقي عملة نادرة.
تختلط الأدوار، وتخفّ اللحظات الصامتة التي كانت تصنع أعمق الروابط.
ومع هذا، تظل الحاجة إلى صديق واحد حقيقي، تماماً كما في السابق، هي ما يُرمّم هشاشة هذا العمر.

خاتمة:
كانت صداقة المراهقة في الزمن الجميل أكثر من علاقة.
كانت ميثاقاً ضمنياً بين قلوب تتعلم الحياة معاً.
كانت الدرس الأجمل الذي لم يُكتب على السبورة؛ لكنه سكن في الذاكرة، وبقي هناك كضحكةٍ لا تنسى، وسندٍ خفيٍّ رافقنا حتى الكبر.

أترك تعليقاً

التعليقات