فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
كان نتاج النضال العربي القومي مصطلحات مثل: «الرجعية العربية» و»الاستعمار» و»الإمبريالية»، ولم يكن عبدالناصر، الراعي الرسمي للقومية العربية، لا يبرح في الغالب خطبة من خطبه إلا وردت هذه المصطلحات يوقع عليها أفكاره التي يريد أن يذيعها في الشعب العربي الذي يلتمس مواعيد خطبه من المحيط إلى الخليج ليسعد بهذه الخطابات التي تثير في الأمة مشاعر الكرامة وترفع معنوياته إلى درجة أن يتمنى هذا الشعب المواجهة مع هذا الاستعمار والرجعية العربية والإمبريالية.
وبغض النظر عن هذا الانفعال العربي فإن المثقف وغير المثقف يعتبر أن هذه الشعارات القومية فروضاً مقدسة ينبغي أن يلتف حولها الصغار والكبار المثقفون والأميون، باعتبارها تخفف من وطأة مشاكل الوطن العربي من تخلف وجهل وإحباط.
كان جمال عبدالناصر في القرن العشرين يشبه سيف الدولة الحمداني أمير حلب الذي عانى كثيراً من الاستعمار الرومي الذي حكم -بفظاظة بالغة- الشرق العربي من «بغداد» حتى «طوس» وأطاح بالحكم العربي ومجده القديم والتليد؛ فلقد كان سيف الدولة أمل الدولة العربية في استرداد مجدها العريق، ولهذا نجد أكبر شاعر يمتد من القديم إلى الحديث شاعر العروبة الأول «أبو الطيب أحمد بن حسين المتنبي الجعفي الكوفي» يعبر عن سعادته بأن سيف الدولة يعيد للأمة سمعتها ومكانتها شرقاً وغرباً، يشبه كثيراً من المثقفين الذين التأم مجلس جمال عبدالناصر مثل محمد حسين هيكل وأحمد بهاء الدين وعصمت سيف الدولة وغيرهم من الذين كان عبدالناصر (رحمه الله) يستأنس بهم ويستملي بعض أفكارهم ليصوغها خطابات نارية، تؤسس عليها الرجعية العربية والاستعمار والإمبريالية أفكارها التي تتحول إلى دراسات استراتيجية في الملفات التي لا تزال مطمورة بحجة تجهيل الشعوب التي ينبغي ألا تقف على حقائق الأشياء. بعبارة ثانية، إن المصطلحات قد غادرت سطور الكتب لتبرز شخوصاً يمثلها جهال الخليج وبدوهم البلداء.
لقد صارت الرجعية العربية ماثلة في حكام الخليج الذين لم يفقهوا من الحياة إلا المطعم والمشرب، والذين لا تستهويهم الإنسانية بمبادئها المقدسة الفاضلة قدر ما تستأنسهم الشهوات الدنيا والأمنيات البسيطة. وهم سعداء بذلك كما يسعد أطفال العيد بلعبهم الملونة. لقد يكون بدهيا أن نشير إلى أن الاستعمار لم يغادر موطن الأعراب وإنما خلف وكلاءه يقومون على رعاية مصالحه، وهم بذلك يقومون خير قيام؛ قيام صاحب البقر بعلف هذه البهائم السائمة. والسؤال: هل يستطيع أي أمير خليجي أن يسحب مبلغاً أكثر من قيمة قصر أو سيارة فارهة أو مسبح في مداخل «كان» وقصر في ضاحية «جرينيتش»؟!
كانت الرجعية والاستعمار والإمبريالية لا تشكل أكثر من سطرين في ديوان «القومية العربية» فأصبحت الآن تستمد همتها وعزيمتها من أوامر أعداء الأمة، فتهدم نيابة عن زعمائها الأصلاء أوطان الأمة العربية وتستبيح -بفخر أهوج- مقدساتها الدينية والعربية كما يصنع الآن أعراب اليمامة وخليجيو الإمارات. أما نحن فلن نغلب من قلة الإيمان ولا من شهامة مبادئنا المقدسة، فستظل هذه المبادئ ماثلة في حياتنا نذود عنها بإقدام يذهل العالم، وسبع سنوات كافية لأي ذكي أو بليد شاهدة على ذلك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أترك تعليقاً

التعليقات