ملك عضوض
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
تصبح الحرية الرشيدة مما تقتضيه الشعوب التي تنتابها الظروف الأكثر هولاً وشدة، فالحرية هي الترس الصلب الواقي ضد رياح الأعداء والنصال اللئيمة والأعباء الأكثر إرهاقاً وصلفاً.
إن الحرية هي السلاح الماضي الذي يُفشل المؤامرات ويقصم العاديات ويمنع الداهيات. ولقد نعلم أن انتصارات تلو انتصارات حققها شعبنا بفضل حرية بدأ يلوح اكتمالها في أفق اليمن الذي رزح غير قليل في العبودية والاستبداد، حاول رجال مؤمنون ونساء مؤمنات المناداة بها من زمن بعيد، وقدم الأشاوس من الرجال رؤوسهم لسيف الجلاد كي تتحقق هذه الحرية الحمراء التي لها باب بكل يد مضرجة تدق!!
لقد عاش شعبنا اليمن قروناً من الكبت والارتهان للذل والخوف والرهبة، واستبان أن كل هذه المآسي إنما هي نتيجة غياب الحرية، وظهور طغيان الحاكمين، ومصادرة الأفكار مشاعل النور والمبشرات بمستقبل لا ظلم فيه ولا ظلام.
وعرف شعبنا بحسه الفطري أن الغلبة والنصر إنما تكون للأحرار الذين يتعاملون مع المجد التاريخي بمنطق واضح مبين وتكافؤ ندّي راسخ. ولسنا نلوذ بمراكز بحوث أو دراسات لنفهم جدوى الحرية، فبداهة وبفهم الطبيعة التلقائية والفطرة النقية تكون الحرية مقدمة لأي نصر تستحقه شعوب مظلومة وأمة مكلومة.
لقد عالج هذه الفكرة كثير من المفكرين، وعلى رأسهم عبدالرحمن الكواكبي، الذي كتب في "طبائع الاستبداد" واستخلص حقيقة واضحة، وهي أن ضعف المسلمين وخور قوتهم ومصدر انتكاسهم إنما يعود إلى غياب الحرية، وضرب لذلك أمثلة وأمثلة وأمثلة!!
وكان جواب الإمام أحمد حميد الدين على أستاذة في منطقة "التر" بني حشيش عندما قال للإمام: وماذا في أن تتبنى يا مولانا الدستور(48)؟ قال الإمام مجيباً: "لا أقول إلا ما قاله عثمان بن عفان: والله لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله".
يا معشر قادة اليمن، الحرية... الحرية... فهي مفتاح النصر وباب التقدم.
فهم بعض صحابة سيدنا رسول الله ضرورة أن يوجد عنوان لعقد اجتماعي هو الشرط بين الحاكم والمحكوم لتنظيم أوضاع تحدد هذه العلاقة بشكل واضح، فكان أن ارتقى منبر الإسلام الخليفة الأول أبو بكر عبدالله بن أبي قحافة (الصديق) ليخاطب المسلمين: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"، وانبرى أحد الحضور ليخاطب الخليفة الصديق: "والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوّمناه بسيوفنا". سرعان ما تحول هذا (الاعوجاج) إلى سلوك بعض الحاكمين من أمراء بني أمية، الذين اقتفوا سلوك ملوك وأمراء العجم فحكموا بالأثرة والأنانية الشخصية وأزاحوا النقاب عن علاقة مصلحية قبيحة طرفاها حكم جائر يقوم على اتخاذ الحكم الإسلامي مطية لتحقيق مصالح خاصة من ناحية، وأمة مقهورة ليست إلا سبباً من أسباب توفير الرفاه لحكم جائر عضوض!!
وقفزت مصطلحات إلى واقع التضارب والصدام، فمصطلح "تأمين المجتمع من الخوف" (صاحب الشرطة) ينقلب إلى مصطلح "تأديب الخوارج الذين ينقمون على الحاكم سلوك البطش والاستبداد السياسي والاجتماعي"، باعتبار هذا السلوك خروجاً على حكم الله ورسوله والمصلحة العليا للأمة، واستمر الحكام ينقحون ويضيفون ويحذفون ما يروق لهم من أساليب تعذيب وقمع هذه المعارضة (الخوارجية) ضمن قلع الأظافر إلى "تغطيس" الوجوه في المياه الحارة والمثلجة، إلى الرمي بهذا الخارجي الملحد والكافر من أبواب الهيلوكوبتر في ليالٍ شديدة الحلكة والنهار الأشد برودة ومطراً ورجعاً ورعباً وهلعاً...
وعليه، وانطلاقاً من المصلحة العليا للأمة، يكون لزاماً على أرباب السلطة أن يراجعوا معاني المصطلحات، فمراكز الدراسات والبحوث لا بد أن تقوم بعملية استبيان لقياس العلاقة بين الحاكم والمحكوم وأجهزة الأمن، لتحافظ على ضرورة أن تحمي المثقف والمفكر من قلع الأظافر، ومنع مصادرة الوظيفة العامة، كحق من حقوق الناس جميعاً، وأن تترك مراقبة النوايا لله عالم السر وأخفى!
الحل الوحيد لصلاح الأمة، حاكمين ومحكومين، هو إطلاق الحريات إلى أقصى مدى وأبعد حد، فالحرية هي التي لا تقبل القسمة على اثنين، ولا تقبل مفهوم النسبية، فإما حرية وإما عبودية.
ولقد تقرر من واقع التجربة أن الأمة العربية والإسلامية تراوح بين تخلف وآخر، لأنها لم تعش حياة طبيعية في جو من الحرية، بل هي تاريخ من العلاقة المتأزمة بين حاكم جاهل ووطن مجهول ومثقف مقتول!!
إن الشطر الأول من تقدم المجتمع هو الحرية المطلقة. أما الشطر الثاني فهو العمل على إزالة الاستبداد السياسي، الذي يمثل توفير الحياة الرافهة لقلة قليلة من الجهلة الرابضين على كراسي الحكم العضوض يسرقون مقدرات الشعوب، بينما هذه الشعوب تعيش على إيقاع التخمة المرفقة بروائح كريهة!!
لقد ابتلى الله هذه الأمة العربية والإسلامية بحكام ذوي دماء زرقاء. وفي القرن الواحد والعشرين، الذي يناقش فيه العلم قضايا خطيرة مثل «الخلايا الجذعية» وإمكانية استئناس القمر واستخراج المياه من زحل، فإن أسراً بعينها تحكم الوطن العربي، وتتوالى هذه الأسرة أسرة بعد أسرة، لتنهب الشعوب، بدون أي كفاءة تذكر، عدا كفاءة ولاية العهد من بليد إلى أكثر بلادة، وعيني عينك يا تاجر! وبينما يموت كثير من أبناء الأمة جوعاً، إلا على بقية ما ترك آل هذه الأسرة أو تلك من تخمة في براميل القمامة، ناقمين على الله -أستغفر الله- «بركة» أرصدة تتوالى على حسابات العملات الصعبة في بنوك سويسرا وجزر الكناري وشطآن المحيطات... والسؤال: متى ينجلي هذا الظلام المخيف؟!

أترك تعليقاً

التعليقات