فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
في "علم المعاني"، وهو علم من علوم العربية، فصل عنوانه "خروج مقتضى الخبر للإنشاء"، وفي القرآن الكريم آية مباركة هي قوله تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً"، فهذا إخبار من الله بأنه جعل البيت الحرام مرجعاً ليأوي الناس إليه، متمتعاً بالأمن. فهذا هو الخبر، ومقتضاهُ الخروج إلى دائرة الإنشاء، وهو "وإذ جعلنا البيت مثابة" فجعله كما أردنا، وأمنه كما أردنا.
وفي فترة تاريخية قريبة نادى الرجل الصالح العفيف الكريم الصادق الأمين صالح علي الصماد، رئيس مجلس الرئاسة (رحمه الله) وكتب له أجر الشهادة، قال ذات يوم شعاراً نأمل أن يظل رائدنا جميعا وعنوان سلوكنا: "يدٌ تبني ويدٌ تحمي"، وهذا خبر تقديره الآخر: فلتتجه أيدينا نحو البناء والتعمير، ولتكن اليد الأخرى حارسة لهذا التعمير والتحرير.
ولا بأس أن نستعير من هذه العبارة الجميلة عنواناً آخر وهو: "نستطيع إذا أردنا"، فباستطاعتنا -كما فعلنا- من خلال الجيش واللجان الشعبية أن نحمي بلادنا من فسق وفجور العدوان الأعرابي الأمريكي الصهيوني ببطولة أسطورية نادرة، نستطيع أن نعيد اللون الأخضر لبلادنا لتكون سعيدة كما كانت في سالف الزمان، فقط نحتاج الإرادة. وقد كان لتوجيه السيد المجاهد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي صدى عند كثير من اليمنيين، الذين -وخلال فترة قصيرة- استطاعوا أن ينجزوا كثيراً من الزروع التي أنتجت سنابل قمح وشعير وكثيراً من الخضروات والفاكهة، وهم يحتاجون كثيراً من التذكير لاستمرار هذه العزيمة التي يستطيع حفزها والدفع بها إلى الأمام توجيهات السيد العلم، ولكن هذا قد لا يكون توجيهاً مثمراً ما لم تعِ الدولة معنى كلام السيد ورغبة المزارع اليمني في تلبية الدعوة، من حيث توفير البذور الكثيرة ووسائل الحرث والإفادة من ثقافة الأجداد الزراعية، من حيث تقدير المواسم زرعاً وحصاداً. وقد أشرنا ذات مرة إلى أنه قد وجد -وأرجو أن يكون ذلك صحيحاً- هناك بنك خاص للزراعة يقدم القروض الميسرة للمزارعين الذين يشعرون بخيبة أمل بحكومات سابقة لم تنجز إليهم بعض ما يدفعهم لإنتاج الذي يجدون له مساحات واسعة من الأراضي التي أهلكها الإهمال وعدم العناية.
ونستطيع إذا أردنا أن نوفر ملايين الدولارات، بل نوفر ما هو أخطر من ذلك، وهو سيادتنا الوطنية، فنسجل اكتفاءً ذاتياً بدل أن نستورد بعشرات الملايين من الدولارات والعملات الصعبة الأخرى ما نطعم وما نشرب وما يمكن أن نسميه: "علل بعد نهل"، فأرضنا اليمنية مترامية الأطراف وفيرة المناخات والطقوس التي تخلق لنا -بقدرة الله- فواكه مما نشتهي وطعاماً مما يلذ ويعجب، فتغير هذه المناخات بتغير الفصول تجعلنا قادرين على أن "نطعم مما نزرع ونلبس مما نصنع".
ونستطيع -إذا أردنا- أن ننتج منهجاً علمياً بموجبه نستطيع رؤية الطريق بشكل سهل ويسير، ونستطيع من خلال هذا المنهج أن نحدد ما نريد وما لا نريد، فإن هي إلا فترة قصيرة فوجئنا بجيل من الشباب ذكوراً وإناثاً يبدعون اختراعات لم ترَ مثلها دول كبرى، في فترة أسطورية وجيزة استطعنا أن نرى فيها إبداعات ممثلة باختراعات لم يعهدها العالم قبل.
ونستطيع -إذا أردنا- أن نقضي على عادة سيئة كانت سبباً رئيسياً في تمزيق وحدتنا الوطنية، ماثلة في الثارات التي كادت تمحوها إرادة قائد الثورة، حيث هبت الجماهير ولأول مرة في تاريخها اليمني تتنازل عن الثارات التي مثلت عبئاً أثقل كاهل أمتنا، وها هي القبائل تتوافد من كل مكان إلى العاصمة صنعاء تعلن وحدة العقيدة والدم والمصير.
ونستطيع -إن أردنا- أن نفضح ملف طغاة النظام السابق لنكشف أسباب الفقر المستفحل في مناطق نائية كالجوف ومأرب وتهامة، ونعرف من كان السبب الحقيقي في إثقال هذه المناطق، فليس معقولاً أن تنتج الكهرباء من نفط مأرب لتستمتع مأرب –وحسب- بظلام أسلاك تحجب الشمس تمر من فوق هذه البلدة الطيبة، فبينما تعيش مدن اليمن من أضواء مأرب، إذ مارب تعيش في ظلام دامس.
وباستطاعتنا -إذا أردنا- أن نكشف ضلالات أنظمة سابقة عاشت لترتع من أحشاء اليمنيين الفقراء وتبني إنجازاتها الخاصة من جماجمهم الفقيرة وتتحلى بلعق دمائهم الفاترة. ونستطيع... ونستطيع... ونستطيع أن ننجز أساطير واقعية... إذا أردنا!

أترك تعليقاً

التعليقات