تقديس الغباء!
 

عبدالملك سام

#عبدالملك_سام / #لا_ميديا -

أحيانا تجد نفسك مجبرا على الصمت لكي لا يعتبرك الآخرون مجنونا. هذا يحدث معك بكثرة إذا ما كنت شخصاً يحاول أن يتصرف بمنطق وعقل وضمير. فقد تجد صعوبة في إقناع مجموعة من الناس بأن تصرفهم خاطئ، لتكتشف فجأة أنك مضطر أن تدافع عن موقفك المحق.
أنت في البقالة تدفع قيمة مشترواتك للبائع، فيرد لك الباقي من العملة المطبوعة غير الشرعية. ولأنك إنسان عاقل تهتم بمصلحة الشعب والبلد ترفضها وتطالبه بأن يرد لك الباقي بالعملة القديمة. هنا تجد من ينبري ليدافع عن صاحب البقالة طالبا منك أن تقبل العملة الجديدة، معللا ذلك بأن "الشعب كله" يتعامل بها، حتى وزير المالية نفسه!! عندها أنت أمام خيارين: الأول أن تحاول أن تشرح للأخ الفضولي جميع النظريات الاقتصادية في التو واللحظة لكي تقنعه بعدم صوابية رأيه الذي قدمه دون أن يطالبه أحد بذلك! أو أن يكون خيارك أن تنسحب بهدوء حتى لا تضيع وقتك وتلحق باقي أشغالك! طبعا إذا كان عندك ضمير فستتعب، والمشكلة أنك تعرف أن هذا الشخص نفسه يشكو معظم الوقت من تدني سعر العملة وارتفاع الأسعار!
أنت في الشارع مع بعض أصدقائك وبأيديكم علب عصير أو شيء للأكل، وعندما تفرغ من تناولها تقوم بوضعها في كيس تحمله حتى تجد مكاناً لتجميع القمامة، وفجأة تجد صديقك يرمي بالعلب الفارغة في الشارع، تكلمه بأن هذا تصرف خاطئ وتتبرع بانتشال العلبة ووضعها في الكيس الذي تحمله. عندها تجد الشخصية الفضولية ذاته وهو ينتقدك معللا رأيه بأن الشعب كله يفعل ذلك، وأن هناك عمال نظافة لا يقومون بعملهم كما يجب! والأدهى أنك تفاجأ به وهو يحاول سحب الكيس من يدك ليرميه في الشارع!! وأقسم لكم أن هذا حدث بالفعل! وستجد أن هذا الفضولي هو من يشكو غالبا من همجية الشعب ويتغزل بالأجانب وتحضرهم وبأننا شعب مليء بالأمراض ومدننا قذرة!!
أنت في الطريق تقود سيارتك بهدوء بعد يوم مرهق، فتقف سيارة أمامك في الطريق وتفاجأ بأن السائق يحاول مغازلة فتاة تمشي راجلة. وكشخص مسلم تعنف السائق وأنت تطلق تنبيه سيارتك ليتحرك هذا الأرعن. عندها تجد هناك شخصاً فضولياً ينهرك لأنك تزعجه، ولا يلتفت للسيارة التي سدت الطريق لسبب غير أخلاقي! وعندما تحاول شرح الموقف لهذا الشخص الفضولي يحاول أن يسكتك بأن الشعب كله هكذا، وأنك يجب أن تتحلى بالصبر! طبعا لا ينسى قبل أن يغادر أن يبتسم تلك الابتسامة البلهاء وهو يغمز بإحدى عينيه ويقول لك ضاحكا كأنك صديقه الحميم بأن رأيه أن الفتاة جميلة تستحق المغازلة!! وكم تتمنى ساعتها لو تملك مكوكا فضائيا لترسله إلى الفضاء الخارجي، أو أن يتفاجأ بأن هذه الفتاة أخته أو قريبته لتشاهد ماذا ستكون ردة فعله!
طبعا هناك الكثير والكثير من هذا الغباء المتفشي في مجتمعنا للأسف، وهي تصرفات لا عقلانية تجعل الحياة أسوأ ويمكن معالجتها بقليل من العقل وكثير من الضمير. الموضوع يحتاج وقفة مع الذات لنسأل أنفسنا عن عواقب الغباء، التي لا تليق بشعب مسلم متحضر، فنحن نستطيع أن نتحدث معا بهدوء ومنطق إذا ما كان هناك استعداد لأن نسمع ونتفاهم مع بعضنا، وستكون الحياة أفضل بالتأكيد إذا كرهنا القبيح وقدسنا الخير.

أترك تعليقاً

التعليقات