مسرحية الدنابيع السبعة!
 

عبدالملك سام

عبدالملك سام / لا ميديا -
أينما وليت وجهك تجد الناس يتكلمون عن الهدنة والتسوية. وجاء خبر انخفاض أسعار صرف العملات الأجنبية ليثير الموضوع أكثر. والناس بين من فتح أشرعة التفاؤل على مصراعيها لتذهب به إلى توقعات لم ترد في أكبر التحليلات السياسية التي تتحفنا بها القنوات العالمية، وبين متشائم لا يرى في ما يحدث شيئا يعنيه، خاصة وألا شيء تغير في واقعه. فماذا يجري فعلاً؟!
بصراحة، دعوني أقف مع الصف الثاني ونتكلم عما يجري بهدوء، فمنذ اشتعال المعركة بين روسيا والغرب ونحن نتوقع أن التغيرات ستحدث لا محالة، وجاءت عمليات “إعصار اليمن” رداً على زيادة الحصار لتصب النار على الزيت (فعلاً)، وأمريكا بدأت تئن جراء معركة الطاقة التي يديرها الروس بحنكة، لذا كان من المتوقع أن تفعل أمريكا شيئاً لإيقاف النزيف السعودي للحفاظ على منسوب النفط، وكان من الضروري أن تتحرك الأمم المتحدة للحفاظ على ماء وجه النظام السعودي بمبادرة قالت إنها “إنسانية” ومستعجلة!
إذن، لم تجنح السعودية للسلم بقرارها، بل برغبة الغرب، ما جعل الأمر حتمياً، وتبرمت السعودية قليلاً باختراقات هنا وهناك؛ ولكن الأوامر الأمريكية كانت صارمة، لذلك تم الاتفاق، خاصة والمطالب اليمنية كانت كلها معقولة ومحقة؛ لكن النظام السعودي المتعجرف لا بد من أن يجعل الأمر يبدو بأنه قراره هو، فتم إعلان أن هناك حواراً؛ ولكن المشكلة هي بين من؟! فشروط الطرف اليمني للتفاوض معروفة، والنظام السعودي غير مستعد لأي لقاء يجلس فيه مع اليمنيين نداً لند، وغير موافق على تحكيم العقل الذي معناه أن يرفع يده عن اليمن؛ ولكنه مجبر على أن يظهر أن كل ما يجري تنفيذاً لرغبته هو وليس تنفيذاً لتوجيهات ورغبة مشغليه!
يتوقع الأمريكيون أن غزوة أوكرانيا ستحتاج لفترة حتى تتضح الصورة، وقد بدؤوا بالبحث عن بدائل للغاز والنفط الروسي، وعليه تم الموافقة على هدنة لمدة شهرين. أما الحوار الذي دعت إليه الرياض فيحتاج إلى أطراف لتتحاور ولو شكلياً، المهم أن ينعقد والسلام، لذلك رأينا أن الذي حدث هو جلوس العملاء مع أنفسهم، وتم ملء المقاعد ولو بأشخاص “كومبارس” ليشربوا ويأكلوا ولا يهم عما يتكلمون، وخرج الحوار بنتائج ليظهر أن له أهميه، ومن مخرجاته إقالة الدنبوع (الذي لا يفعل شيئاً) ونائبه (الذي لا يفعل شيئاً أيضاً)، وأتوا ببدائل من المؤكد أنهم لن يفعلوا شيئاً؛ فإرادة السعودية ونفطها هما ما يسير كل العملاء!
مكروا فلم يفلحوا ولن يفلحوا. والمسرحية الفاشلة التي أدارتها الرياض أظهرت سخافة الحاضرين الذين كان معظم حواراتهم عن الهبات السعودية لمن حضروا، وجلس العميل ليتبادل الحديث مع عميل آخر، واتفقوا جميعاً على أن ينصتوا ليستلموا مخصصاتهم دون منغصات! فجلسوا وأدى كل منهم دوره ثم عادوا إلى فنادقهم سعداء، وهناك فوجئوا كلهم بالقرارات التي كان من المفترض أنهم هم من اتفقوا عليها!
أما نحن اليمنيين فالأمر لا يعنينا مطلقاً، فكل ما جرى لا يعبر عما ننشده من حرية واستقلال ورخاء، وذهاب الدنبوع -الغارق في هلوسات ما يتعاطاه ليلاً ونهاراً- لا يمثل لنا أي إنجاز، ولا شيء يقلقنا من (الدنابيع السبعة) الذين سيحلون محله؛ فنحن نعلم من يدير المعركة سابقاً ولاحقاً. المهم هو أننا نعي جيداً أن ما يجري ما هو إلا هدنة، ولا بد من أن نعاود التحرك عما قريب بشكل أقوى مما مضى، فما نطلبه لن يتحقق باتفاق، بل لا بد من أن ينتزع بالقوة؛ فكما قال الشاعر: “لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ”. ولو تأملنا لرأينا كيف أن الله هيأ لنا الظروف والوقت لنستعد لما هو قادم، والقادم سيكون أعظم بإذن الله.

أترك تعليقاً

التعليقات