صعدة التاريخ تغمره المجاري
 

صلاح العلي

صلاح المقطري / لا ميديا -
يبلغ عمر مدينة صعدة القديمة -أو كما يدعوها أبناؤها "مدينة الإمام الهادي"- حوالي 1200 سنة، إذ بنيت في عهد الإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام في القرن الثالث الهجري.
حين تتجول اليوم في صعدة القديمة كسياحة فإنك لا تستطيع التركيز على المعالم والآثار التاريخية بقدر تركيزك الشديد على خطواتك وأين تضع قدمك كي لا تقع في أحد أنهار المجاري الطافحة في كل شارع داخل المدينة التاريخية العريقة.
جامع ومقام الإمام الهادي التاريخي داخل المدينة هو الآخر تحاصره المجاري من كل جانب حيث تتدفق أنهار المجاري في معظم الشوارع الترابية والأزقة المحيطة به.
وبدلا من التشبع بروحانية المكان واستنشاق نسماته فإنك تختنق برائحة المجاري الفواحة في المكان وتوشك أن تمحو حتى نفس الإمام الهادي (ع).
وهذا الحال ليس مقتصرا على المدينة القديمة وحسب، بل هو وضع صعدة بالكامل وأريافها القريبة التي يفترض أن الحضر قد وصل إليها.
فلا مبالغة إن قلت إنه حيثما وليت وجهك في صعدة فإنك تجد المجاري تسفح أمامك حتى تكاد تغرق وتبتلع المكان.
هذا الواقع ليس له شبيه على مستوى نطاق مدن الجمهورية حد معرفتي.
هل هذه مدينة تراثية ووجهة سياحية ومعلم تاريخي يمني أصيل؟ لا يوجد أي أثر على اهتمام سياحي بها أبدا، حتى على مستوى الحفاظ على النمط المعماري للمكان حيث هناك استحداث للعمران والبناء بالنمط الحديث بلا حصر ولا توقف حتى تغيرت الكثير من الملامح الأصلية للمدينة التراثية والأثرية.
عندما سألت الناس عرفت أن صعدة عموما لا يوجد فيها شبكات صرف صحي، بينما يكتفي المواطنون في المربعات الرئيسية بعمل بيارات سرعان ما تمتلئ وتطفح الى الشوارع.
ليس هناك جهة حكومية تتكفل كحال العاصمة مثلا بتوفير وسائل شفط للبيارات دوريا.
وبطبيعة الحال، هناك عدد محدود لهذه الوسائل في صعدة، لكنها تتبع جهة خاصة استثمارية وتكلف كل عملية شفط حدود 40 ألف ريال، وهي كلفة مستحيلة على المواطن، بينما تقوم هذه الشفاطات بصب ما تشفطه إلى منطقة قحزة! وهو مكان مكتظ بالسكان ومجاور للمدينة! ما يعني أنه لا إشراف ولا رقابة حكومية عليها.
بلا شك، هذا ما تركه عفاش خلفه بعد زواله. وبلا شك هذه سياسات متعمدة من جلاوزة النظام السابق والإخوان (الإصلاح) استهدفت صعدة وحرمتها من أدنى الخدمات بسبب عداء متعدد الجوانب منه المذهبي.
وبلا شك هذه التركة هي موروثة من النظام السابق للسلطة المحلية الحالية، أي سلطة ثورة 21 أيلول، وصعدة هي قلعة الثوار والمجاهدين.
لكن السؤال، أنه منذ 9 سنوات وحتى اللحظة، ألم تفكر السلطة المحلية بالدرجة الرئيسية أن تعمل أي حل ولو ضمن مشروع على مراحل ولو طويلة الأجل؟
أليس هذا الواقع الذي توارثناه والمهدد للحياة والصحة، صار الآن مسؤوليتنا ويتوجب علينا تغييره وهذه من مهام الثورة؟ وإلا ما هو الدور المنوط الذي يقع على عاتق السلطات المحلية إن لم يكن إنشاء مشاريع خدمية كهذه لا غنى عنها إن أردنا استمرار الحياة للناس؟!
ولا يمكن تعليق المشكلة على شماعة العدوان لأن الجميع يعرف أن لكل محافظة مستوى دخل ولو محدودا هناك قسم منه يوجه على شكل خدمات للمجتمع، ولا أنكر أنني شاهدت استحداثا لطريق هنا وصيانة لطريق هناك، لكن هذا من الغباء وسوء الإدارة أن أبدأ بالشوارع قبل الصرف الصحي.
على الأقل بإمكان السلطة المحلية أن تعد خطط مشاريع وتدعو المجتمع والتجار للتفاعل والجهات المختلفة.. لكن ذلك لا يحدث حتى كما يبدو!
في صعدة حتى في أيام البرد الشديد والرياح التي نعرف أنه مع وجودها يختفي البعوض إلا في مدينة صعدة فليس هناك عوامل تجعله يختفي بسبب المجاري الطافحة بكل مكان. وفعليا البعوض صار مواطنا رسميا لا يمكن المساس به.
في صعدة دوما ما تنتشر "حمى الضنك" وفي الآونة الأخيرة بمديرية ضحيان كما عرفت، وكذا الأمراض التي ترافق الأطفال كالإسهالات نتيجة التلوث، ووباء كالكوليرا.. وما خفي في المستشفيات أعظم.
فعليا هذه المحافظة مهددة بالأوبئة الفظيعة لولا ألطاف الله تعالى بالناس الذين يبلغ عددهم على الأقل في المدينة نحو المليون إنسان فضلاتهم وصرفهم الصحي يصرَّف إلى أحيائهم وشوارعهم.
لا يبدو أن السلطات مهتمة، ولا نواب البرلمان والمجالس المحلية ولا الوجاهات ولا العقال ولا المنظمات ولا المواطنين ولا أي جهة رسمية أو غير رسمية.
فعليا، يبدو المجتمع غير مكترث وكأن الأمر صار اعتياديا لديه وجزءا من حياته المعتادة، أو الأمر هو الصبر والتقدير لظروف المرحلة أو عدم العلم بالشيء أو.. أو .. أو.. لا أعرف.
يا صعدة وأبناءها أنتم مفجرو الثورة وعاصمة المجاهدين والسيد القائد، يفترض أن تقدم صعدة الأمثلة والنماذج التي يحتذى بها كما هو الحال بالجهاد والتضحيات والبطولات.
هذا علمنا ولا جاكم شر.

أترك تعليقاً

التعليقات