فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

نتحدث اليوم عن "الفراءة الناقصة". وقد يتشابه هذا العنوان ويتشابك مع مصطلحات أو عناوين أخرى ذات صلة. فمن حيث المنهج يعد العنوان محدداً من محددات "المفهومات" التي تبدو أول الأمر مائعة غير قابلة لما يمكن أن يقال له "التسوير المنطقي". ومفهوم هذه  العبارة أن أي معلومة تدخل ضمن "العلوم الإنسانية" لا يمكننا تسويرها منطقياً، بل نجدها تخضع للتأويل الذي هو مشترك بين القراء باختلاف أيديولوجياتهم التي تبدو حاسمة وغير متسامحة، مما يؤدي إلى خلاف قد تحسمه الحرب، وهذا ما حدث في أحداث عصفت بالتوجه الأيديولوجي جنوب اليمن، ولم تكن أحداث جنوب اليمن يناير 86 إلا بعض مظاهره، فإذا كان اتجاه الدولة السير بجنوب اليمن نحو إعلاء الطبقة العاملة وانتشال الطبقة الفقيرة من وهدة التخلف عن طريق "مخيمات" إزالة الأمية (أمية البدو) فإن القراءة الناقصة قد عملت حينها منذ بدء التأسيس على تجذير فروق قرائية بين ماركسيتين، أولاهما ماركسية لينين، وثانيتهما ماركسية ماو. ولم تكتفِ هذه القراءة الناقصة بكيل السباب والشتائم بين الطرفين واستخدام مصطلحات "عُنْفية" مثل مصطلح "التحريفيون" و"الرجعيون"...الخ، وإنما لجأ الاتجاهان إلى حسم الموقف بالدبابات وأدوات القتل الأخرى، إلى درجة أن مجرد ذكر رقم الهلكى في حرب يناير 86 فاجع وموجع. والمثير لعدم الغرابة أنه في تاريخ الأمة العربية سرعان ما تنقلب المصطلحات إلى محددات تنتهي بالحسم الحربي، أي أن المصطلح يصبح صاروخاً أو قذيفة مدفع أو دبابة. ولا نستثني سيوف الخوارج ولا إعدامات "حجة" ومجنزرات صالح وفتاوى خميس وغالب عبدالله راجح وفاجعات اللجنة المركزية وطيارة الرفاق في أجواء حضرموت وكلاشنكوف شلال الذي أسكت نبض الشيبة أو سالمين إلى الأبد.
لقد صرخ أحد أحرار حجة 48 في وجه الجلاد: أين حكم إعدامي؟! لماذا يقتلني بن حميد الدين؟! علماً أن أمر الإمام أحمد بالإعدام لم يتجاوز هذه العبارة: "نائب حجة، يقطع رأس فلان غداً". وعادة لا يبلغ القتيل بتاريخ إعدامه إلا قبلها بساعات، كرما من الجلاد ليتيح الفرصة للقتيل القادم أن يكتب عنوان وصيته مقابل مبلغ أو ثمن بخس يدفع للوشاح وقبله السجان، واستشهادنا بوقائع "حجة" إنما هو صادر عن القراءة الناقصة لمفهوم الخروج على السلطة الحاكمة.
إن الأمة كلها من أقصى اليمين وأقصى اليسار بمسيس الحاجة لقراءة شبه مكتملة للنصوص في مختلف المجالات، لنصبح أقرب إلى المنطق الذي يوحدنا أو يشبه أن يوحدنا، فقد كفانا شتاتاً وتشتاتاً، مما جعل زعماءنا يتفرقون ويتمزقون غير محتاجين لمبادئ القراءة.

أترك تعليقاً

التعليقات