فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

عندما توفي الرئيس جمال عبدالناصر ورث لنا جميعاً مشكلاً مهماً هو تسابق رؤساء الدول العربية على كرسي الزعامة على الوطن العربي، فكل زعيم، رئيساً أو أميراً أو جلالة (بتشديد اللام الأولى)، ولم يعلم هؤلاء الحكام أن الحب الحقيقي لأي زعيم هو الذي يمنحه الشرعية، فعبد الناصر اكتسب الزعامة مجاهداً في فلسطين، ثم طارد المستعمرين وهم يحتلون مصر وكثيراً من بلاد العرب، ثم أعلن تأميم قناة السويس، ثم طرد المستعمر الأجنبي سنة 56م، ثم إعلان الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير عام 1958، ثم إنسان حر ونزيه... كانت شخصية عبدالناصر ملهمة للعرب أن يتحرروا من الاستعمار البغيض، فاستجابت الشعوب واعتبرت أنه إذا كان قد اختارت زعيما لها عن طيب نزاهة فلن يكون إلا عبدالناصر، الذي ظل والده عبدالناصر حسين في عهد ابنه جمال موظفاً في البريد حتى تقاعد، ولم يستطع جمال أن يتوسط لابنته هدى عبدالناصر في أقساط سيارتها، لأن ذلك سيكون نقطة سوداء في سيرته الذاتية، ثم... ثم... ثم...
ادعى العقيد معمر القذافي أنه خليفة جمال الذي منحه لقباً خاصاً وهو "أمير الأمة العربية"، فلم يصدقه إلا متملقو السلطات والراكبون كل موكب، بل إن السادات لم يستطع إحراز هذه الزعامة حتى في الداخل، فقام بسجن القادة العسكريين وقادة الثقافة والإعلام والعلماء الدينيين، وهي مجزرة 81م، وادعى محمد أنور السادات أن سجنهم لأنهم مراكز قوى... الخ. أما الذين طعنوا في السادات بل وفي مصر عبدالناصر فقد كانوا يطلبون "التدوير الزعامي على الأقل"، وهم صدام حسين (العراق) حافظ الأسد (سوريا) وفهد بن عبدالعزيز (السعودية) ومعمر القذافي (ليبيا)، نقول إن هذه الأسماء ظلت تريد وراثة جمال فأدركها الفشل وأعيتها الحيل. ولما ذهب السادات إلى فلسطين خرج الزعماء العرب عليه خروجاً مهيناً فطردوا الجامعة العربية من القاهرة وشتتوا مجالسها فذهبت مزقاً في الشرق والغرب، وحاول السادات أن يرد الصاع صاعين، فأسس ما سماه جامعة الدول الإسلامية.
نعم، تحتاج الأمة زعيماً وقائداً بحجم الأمة العربية دون كسب العداوة لأي طرف. وقد كانت ملاسنة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز ومعمر القذافي حينما اتهم كل واحد الآخر بالعمالة للأجنبي، فأسرها القذافي في نفسه، فكلف من يقتل الملك عبدالله في لندن وفشلت الخطة.

أترك تعليقاً

التعليقات