العدو العُديّد
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
لم يكن جمال عبدالناصر مبالغاً، ولم يكن خطابياً يجوّد الكلام ليستفز الرجعية العربية التي يمثلها بنو سعود بقيادة المقتول فيصل بن عبدالعزيز، العقل المدبر للرجعية العربية، صاحب استراتيجيتها ودوافعها؛ وإنما كان جمال عبدالناصر أو «ناصر» استراتيجياً يدرس مادة الاستراتيجية في معهد خاص بالقوات المسلحة مع عدد من الرفاق: الفريق محمد فوزي، عبدالمنعم رياض، عامر... وغيرهم.
فكّر ناصر، ومن وقت مبكر، أن الدول الاستعمارية: بريطانيا وفرنسا و»إسرائيل»، تريد استعمار الشرق الأوسط ونهب ثرواته عيني عينك، لرفاه شعوبها، بالحرب تارات، وبالسلم تارة أخرى. فكانت فكرة «ناصر» المحورية هي الانتباه لمخاطر الاستعمار، الذي هب يدافع عن مشروعه بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956. وبينما ظن بعض «المتفكرين» أو المتفاكرين أن عبدالناصر ظاهرة صوتية يعبر عن أطروحات المعسكر الشيوعي، أثبت الواقع أن الغرب مناضل استعماري لسرقة الشعوب ونهب ثرواتها، تعكس ذلك شركات استعمارية مثل «أرامكو»، «شيل»، «سوناطراك»...
اتضح أن جمال عبدالناصر، بإدراكه البعيد المدى، قد تمكن من رؤية النوايا الاستعمارية والأطماع الإمبريالية، وحاول جاهداً أن يحشد الرؤى للوقوف بقوة لمحاربتها عبر طرق وأساليب عملية، كيلا تصبح في مواجهات ضدية لا تفتر.
إن أمريكا، التي صارت قطباً وحيداً في مواجهة تحدٍّ أمام القوى الاستعمارية الأخرى، تريد أن تعزز هذا الاتجاه من خلال استعمار الأمم الأخرى، واتخاذ قواعد إمبريالية لتحمي مصالحها المكتسبة، وإنشاء قواعد تمثل غطرستها وجبروتها لنهب الجديد من ثرواتها المغتصبة.
إن هذه القواعد العسكرية الأمريكية تمثل محافظات و»نجمات» إضافية للعلم الإمبريالي الأمريكي، أو هي إن صح التعبير امتداد للولايات المتحدة في العالم.
إن مما ينبغي الإشارة إليه أن الخليج العربي قد أصبح دويلات أمريكية تدفع من مخزونها النفطي والثرواتي جزية للمستعمر الأمريكي، وما قاعدة «العُديد» إلّا دولة أمريكية داخل التربة أو الوطن القطري!
عشرات النظريات والبحوث التي عالجت مشكل الاستعمار، وخاصة منتصف ستينيات القرن الماضي، تؤكد أن القواعد الأمريكية أحد أهم مصادر أو موارد الدخل للولايات المتحدة، وعلى القادة السياسيين في أمريكا، وخاصة المشرعين في الكونجرس، أن يفكروا بشكل جاد في هذا الموضوع، وبخاصة في ظل نفاد مصادر الطاقة البديلة!
إن الولايات المتحدة، وبحكم النظريات الاستعمارية البراجماتية، أصبحت تأتلف حول فكرة تريد أن تكون لها الهيمنة، في العالم العربي بخاصة، وهي فكرة مركزية في الفكر الصهيوني المعاصر، مفادها أن «السلطة لكم والحكم لنا»، وهي فكرة «الشرق الأوسط الجديد»، التي سطرها المفكر اليهودي المقتول إسحاق رابين، رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق. وأثبت الواقع أن الخليج محتل بالقواعد العسكرية الأمريكية، سواءً قاعدة «العُديّد» القطرية أم قواعد «الظهران» و»خميس مشيط» وقواعد أمريكا في الإمارات والبحرين والكويت. وفي العرف الأمريكي تعد هذه القواعد مستوطنات أمريكية ينفق عليها أصحاب الأرض ابتداءً من مرتبات الطيارين ومساعديهم وموظفي خدمة الطائرات وأطباء المشافي في القواعد، مروراً وليس انتهاء بتجديد أجيال الطائرات وإحالة القديمة منها إلى التقاعد، وكل ما تطلبه الحياة عامة من مشرب ومطعم وترفيه!
لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة تلقت إهانة وكسر جناح حتى تتوسط بقطر لوقف الحرب. كان ترامب قد طلب بقحة بالغة إلى إيران أن تستسلم دون قيد أو شرط، فإذا به يتوسط أن توقف إيران الحرب.
الأشقاء العرب، لم تستطع القواعد الأمريكية أن تحمي عروشكم، والحل هو إجلاء قواعدها من بلدانكم.

أترك تعليقاً

التعليقات