طلع البدر علينا (الحلقـة 9)
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
جهل أسود وظلام يعم الوجود. وكان نشيد "طلع البدر علينا" تهتف به جميع الأكوان، كأنما لتصدح بهذا النشيد حنجرة واحدة وفم واحد، احتفاءً بهذا النور الذي أشرقت له السماوات والأرض، ولم تكن انهيار عمران فارس وغيض بحيرة ساوى وانطفاء نور موقدة من معابد الوثنية الجائرة إلا دليل على ظهور هذا النور المبين وهذه الرحمة البهية البهيجة.
جاء سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ليقيم في الخلق ميزان القسطاس المستقيم، ليقوم الناس بالقسط، ولتعم المساواة بين الناس، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا أسود أو أحمر بأقل من اللون الأبيض؛ إلا بالعمل الصالح الصحيح.
كان قمر الهداية أطل من ثنيات الوداع، لتشرق المدينة بنور هداية الله الواحد الأحد الفرد الصمد الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى والكلمات العلى، يتسابق الأنصار اليمانون على ضيافته فيطلق رسول الله زمام الخيار لناقته: "دعوها فإنها مأمورة"، فتختار قومه من بني سلمة أخواله من بني النجار.
ويبدأ نور الرسالة ليعم أنحاء يثرب التي صارت من بعد مدينة رسول الله عاصمة نور الله يهدي إلى الصراط المستقيم، فيفرح الأنصار ويحمدون الله تعالى أن حقق أمنيتهم الكبرى بوفادة الرسول عليهم، فتحاً مبيناً وهداية لا تضل ونوراً لا ينطفئ، وتنطلق دعوة التوحيد من محل "مرثد بن ثعلبة"، الذي أبى رسول الله عليه وآله الصلاة السلام أن يقبله هدية إلا بمن يصح قلبه الإسلام دين الله الجديد، فتصدح تعليمات الرسول الكريم تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فلا معصية ولا جاهلية ولا تفاخر بالأنساب ولا معاملة بالربا ولا عبادة لوثن ولا صنم ولا حياة تنتهي بالدنيا، وإنما الدنيا دار ممر إلى دار مقر، ولا جاه ولا سلطان للمظاهر الفارغة والدنيا الغرور، وإنما هي الدار الآخرة يجعلها الله داراً خالدة لعباده الصالحين الأخيار وعباده المتقين الأبرار.
وكانت مدينة النور قاعدة ينطلق منها الجهاد في سبيل الله وإبلاغ رسالته. والتف حول القائد النبي الرسول طائفة من المؤمنين الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في السراء والضراء وحين البأس، يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، يستضيئون بالقمر المنير سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

أترك تعليقاً

التعليقات