فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

في فجر الإسلام ظهرت نعرات تعبر عن جاهلية تسكن أفئدة بعض الذين لم تطمئن قلوبهم للتقوى، وكادت هذه النعرات تطيح بالدعوة التي دعا إليها المبلغ عن الله سيدنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وتجلت هذه النعرات في بعض سلوكيات على المستوى الشخصي، كقول بعض الصحابة، يتعالى على بلال بن رباح: "يا ابن السوداء"، فيغضب النبي الكريم الذي كان سمعه قريباً من هذا الخطاب ليقول: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، لأن تعاليم الدين الحنيف تنص على ألا فضل لإنسان على آخر إلا بالتقوى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، لتحسم هذه الآية معلماً من معالم الجاهلية، وهي العنصرية القائمة على الجنس (لون البشرة). وبعض هذه الأمثلة تهدينا إلى أن وحي السماء يتدخل ليطفئ نعرات تصطدم مع مراد الله في كيفية السلوك الإسلامي الجديد المتنافي مع بعض القيم التي لما تزل تشكل خطراً يهدد المجتمع الجديد كقيمة الكثرة الكاثرة.
ففي غزوة خيبر تحالف المشركون بقبائلهم الجاهلية مع يهود المدينة بقبائلهم الدينية (بني النضير، بني قينقاع، بني قريضة)، فقال أحد المسلمين وقد انتشى نشوة عارمة مزهواً بوجود أخوة الإسلام على رأس هذه الأخوة سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: "لن نغلب اليوم من قلة"، فأراد الله أن يعطي هذا المجتمع الجديد بعداً يتخطى الأسباب إلى المسببّ، إذ المسلم ما لم يتعلم يقيناً أن الله وحده -بغض النظر عن الكثرة والقلة- هو الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، وأن النصر للمسلمين بيده تعالى وحده القادر على أن يكسر رتابة العادة، فصور القرآن كيف أن المسلمين هربوا سراعاً من أرض المعركة، مما جعل النبي وصحابته عرضة لاستئصال شأفتهم، فبدل الله الأسباب، أسباب الكثرة، ليعطي الغلبة والنصر الذي وعد نبيه الكريم به: "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ"، فسرعان ما هبت ريح اقتلعت مخيم الكفر ورمت به إلى خارطة العدم. ومثل آخر مما يدل على أن الإيمان لم تدخل بشاشته بعض قلوب المسلمين، وهو ما حصل بسقيفة بني ساعدة بعد أن ارتقت الروح الشريفة إلى ملكوت الله، حين استدعى بعض المسلمين تراثهم القديم، فقالوا منا أمير ومنكم أمير، لولا حسن بعض الصحابة الذين ذكروا إخوانهم من المهاجرين والأنصار بأن الأمر ليس قبلياً وإنما نبوة ورسالة، لكان الشيطان قد أفلح في معركة حامية بين الأخ وأخيه.
في مجتمع المسلمين اليوم كثير من النعرات الجاهلية التي تتربص بالمسلمين، وبالتحديد أهل اليمن. فعاد الجنان يشتي عقل!

أترك تعليقاً

التعليقات