تأصيل
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
لم تستطع بعض الاتجاهات (الليبرالية/ العلمانية) أن تُسند فرضياتها التي تنطلق من الدعوة إلى الأخوة بين الأديان، أو على أكثر وضوح بين اليهود والعرب، وهو اتجاه ضاع بين حقيقتين: أن الموضوع أكبر تعقيداً باعتبار طروحات الأيديولوجيا من ناحية، وما تطرحه هذه الأيديولوجيا من مفارقات رتيبة تتضمن معطيات مضادة تتناول العدو والوجود اللذين لا يفترقان، بل يمضيان في تواز يستحيل أن يجتمعا عند نقطة واحدة. هذا إذا أحسنا الظن ولا يغني الظن عن الحق شيئاً؛ لأن فكرة التوازي قد تعني أن الخطين قد يتصلان، أو قد تشير إلى أن المتوازيين قد يشير بعضهما إلى بعض ولو من طرف خفي!
نسي هؤلاء الليبراليون أو لنقل بوضوح هؤلاء العلمانيون أن المسألة سبق أن صيغت بمقاربة موجزة لخصت مراحل الصراع بين الكيان ذي المرجعية (التوراتية) المحرفة والاتجاه القومي الذي ظهر بشكل واضح في طروحات الحركة الطورانية التي هدفت إلى توحيد أبناء العرق التركي الذين ينتمون إلى لغة واحدة وثقافة واحدة، مقابل القومية العربية أو العروبة في مفهومها المعاصر (الإيمان بأن الشعب العربي شعب واحد تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والمصالح) تشكل دولة عربية واحدة.
لقد أنتج هذان الاتجاهان الطوراني والعربي ما يمكن أن يطلق عليه مفارقات من ناحيتين:
الأول: أن الطورانية أكثر من عرق يفرز كل عرق في أغوار تاريخية اعتداداً معرفياً ومزاجياً يستقل عن الآخر عبر ثورات عصابية.
الثاني: أن الاتجاه القومي لم يكن سوى رؤى ذات لهجة عاطفية وأمانٍ تدخلت فيها عوامل ذات صيغة أجنبية موجهة بفعل استعمار ذي طوابع خارجية...
لن تشمل هذه الفكرة طوابع (أقول طوابع) الصراع بين العرب واليهود، ولنكن أكثر دقة بين المسلمين واليهود، غير إشارات مقتضبة، نظراً لضيق المساحة أولاً، ولأن القارئ يحتاج إلى شيء من التركيز الذي قد لا يتوفر هذه الأيام ثانياً.
نقول إن موضوعنا سبق أن خاض فيه كتّاب مشهورون تبنّوا الفكر القومي، أمثال ساطع الحصري، وعبدالرحمن الكواكبي، وشكيب أرسلان، ومحمد عمارة، وقسطنطين زريق... وحصلت إضافات من خلال موسوعيين مثل عبدالوهاب المسيري من العرب، ومن الأجانب دارس الفكر الصهيوني روجيه جارودي، الذي اتهمه الصهاينة بأنه «عدو للسّامية»! ولئن كان هؤلاء الموسوعيون أو الدارسون للفكر اليهودي والصهيوني، وإن كان من الصعب الفصل بين هذين المعطيين، أقول لئن كان هؤلاء قد بحثوا الموضوع بشكل يميل إلى العلمية، فإن ركيزة مهمة (أساساً) هي التي أغفلها هؤلاء الموسوعيون والدارسون، وإن تناولوها فإنهم تناولوها من بعيد، حياء من احترام المنهج العلمي، ألا وهي هذه الفاصلة المعرفية، لقد دارت كفكرة إعلامية زمن عبدالناصر وصلاح حديد وميشيل عفلق... تؤدي مصطلح «صراع وجود لا صراع حدود»، وإن كان هذا المصطلح يعبر عن فكرة تقع في الطرف المضاد بفعل «المهاترة» القومية والإسلامية التي نشأت في النصف الأول للقرن العشرين.
ولا يستطيع الباحث أن يفصل بين الوجود والحدود، لاكتمال بعضهما بالآخر، وإنما يريد المرء أن يشير إلى أن اتجاهاً عبرانياً أو «توراتياً» قد نجح في خططه المرسومة من أمد بعيد في غرس وعي ديني توراتي محرّف ومشوّه، ضمن استراتيجية ذات مغازٍ شتى، من بينها بذر كراهية للإسلام والعروبة، فالطفل «الإسرائيلي» الذي يلتحق إجباراً بالكيبوتز «المجمع اليهودي» من سن الخامسة (بداية التمييز) لا بد أن يعرف أن عدوه الأول والأخير هو العربي المسلم، وأن الشرط الوحيد لحياته هو هذا العدو المغتصب لفلسطين «إسرائيل، الأرض الموعودة، أرض التوراة» التي لا ينبغي أن تضم إلا اليهود.
أمام المسلمين، والعرب بوجه خاص، واجب التصدي، بالموسوعات والدراسات والبحوث التي تفند هذه الأفكار الصهيونية التوراتية المحرّفة التي تقوم على العنصرية والعرقنة!

أترك تعليقاً

التعليقات