محلل الحرام
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
ضبط المصطلح أمر يقضي المنهج الموضوعي العملي في كل العصور، قديماً وحديثاً، للتمييز بين الأشياء. وآفة العرب أن هذا الاتجاه غير محترم بالمرة، فالذين يحترمون عقول الآخرين لا يبالون إن هم خلطوا بين «الكولا» والقهوة وبين العقل والجنون...!
هذه الأيام يحصل الخلط كثيراً بين المصطلحات، إلى درجة الكذب والتضليل، مثل مصطلحي «التحليل السياسي» والدجل، فكثيراً ما نسمع في الوسائط الإعلامية: «نرحب بالمحلل السياسي»، مع أن هذا المحلل لا شأن له بالسياسة ولا بالإسلام أيضاً، فتراه يخبط خبط عشواء، وهو لا يعرف الفرق بين باب اليمن وشارع التحرير، ولا بين محمد عبده ولا علي شقادف، وهو إذ يحلل سياسياً المشكلة السياسية اليمنية السعودية لم يقرأ ولا كتاباً عن هذه العلاقة في أي مستوى من مستويات، وأحسب هذا الشيخ محلل ما حرم الله تعالى، وعندما قتلت المملكة مئات أطفال صعدة بادر هذا المسكين فحلل قائلاً: «يبدو أن هؤلاء الأطفال ضحايا الحوثيين»! علماً أنه بعد أسبوع فقط اعترفت المملكة «الشقيقة» بأنه «حادث وقع من باب الخطأ»، وسمعت هذا المحلل ما حرم الله يقول إن الهجوم على عاصمة العدو الصهيوني «تل أبيب» حدث من إيران، مع أن اليهود قالوا إنه من اليمن!
وبالمناسبة نشرت قنوات الإعلام الصهيوني مقابلات مع بعض الصهاينة قالوا إن الحوثيين سحرة يستخدمون السحر وسيلة حرب؛ لأنه ليس معقولاً أن تتعدى طائرة بهذا الحجم مئات محطات الرادارات الأرضية والجوية، وأن تحلق فوق أجواء الصديقين الحميمين في مصر والسعودية، واللذين أفصحا بكل دناءة أنهما اعترضا الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة القادمة من مصر من جهة الأردن ومن اليمن باتجاه الكيان الصهيوني.
مع أن الدولار الأمريكي محترم في كل العالم؛ إلّا أن هذا المحلل السياسي غير محترم!
يشترط في المحلل السياسي أن يكون أولاً ذا اطلاع تاريخي ممتاز، وأن يفهم جذور العلاقات بين الشعوب التي يتناولها قديماً وحديثاً. وهنا أقف لأقدم وجهة نظري، وهي أنه لا يمكن فهم العلاقات السعودية - اليمنية إلّا من خلال أمور سياقية مختلفة، أي أن علاقة شمال جزيرة العرب مع جنوبها هي علاقة متأزمة في الكثير من الأحداث والمواقف، وكثيرة هي الأحداث التي كانت متأزمة بين الشمال والجنوب، بسبب الرعي والمياه خصوبةً وقفراً، ولسبب التجارة والأماكن المقدسة.
وقد سجلت هذه الأحداث تاريخاً وسردية مهمة دونها التاريخ القديم، من ذلك كتاب المؤرخ العراقي جواد علي في «تاريخ العرب قبل الإسلام»، وفي الحديث كتابات المستشرقين، وما أكثر ما كتبوا... الخ.
ولا بد أن يكون هذا المحلل معروفاً بالموضوعية والعلمية، وألا يكون منحازاً لأي طرف، لكي يبتعد عن التخليط وتزييف الحقائق. ولا بد أن يكون ذا لغة أجنبية... الخ.
وللأسف لا بد أن ندرك الفرق بين المحللين السياسيين الأجانب والمحلل العربي، ويكون مثل هذا الذي ادعى العلم والفقه، فلما سأله أحد الماكرين: كم ركعات صلاة الميت؟ أجاب بصفاقة: هناك خلاف بين العلماء، فبعضهم قال 6، وآخر قال 4، ولا بد أن نتوسط في الأمرين فنقول 3 ركعات!!
محللو السياسة هذه الأيام على درجة من الغباء والاستغباء، وعلى قفا من يشيل، ولكنها النقود تذل الرجال وتهين بني آدم، فمن يشهد لهذا المحلل السياسي غير إعلامي يساوي في غبائه هذا المحلل ما حرم الله. والموعد الله!

أترك تعليقاً

التعليقات