اليمنيون أنصار الإسلام
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
بشهادة الصادق المصدوق، سيدنا النبي الرسول الكريم محمد بن عبدالله، عليه صلاة الله وسلامه، يرقى اليمن إلى مصاف المروءة والنبل والكرم، وقل ما شئت من باقة القيم العليا الرفيعة. وقبل أن يقول الرسول، قال الله تعالى، وهو أصدق القائلين، في اليمن: «بلدة طيبة وربٌ غفور»، طيبة أرضاً وبشراً وكرم أخلاق وحسن عشرة وصدق مودة وجزيل عطاء. أما صورة هذا الشعب في مرآة النبوة فهي صورة يجلوها الواقع في القديم والحديث. ومن هذه الصورة حديث شريف: «نفس الرحمن من قبل اليمن».
ولا يستطيع أي إجراء بلاغي أبداً أن يؤدي روعة الكناية على الوجه المطلوب، ففيها إشارة تكاد تكون مكانية جغرافية لمكانة اليمن التاريخية الحضارية، باعتبار هذه المكانة استحقاقاً إرثياً لليمن وأهله، ونوراً آخر يضيء على الواقع.
ما أشرق به الحديث الشريف بقول سيدنا النبي الكريم مشيداً باليمنيين بعبارة بديعة بليغة: «جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن، جاء نصر الله والفتح، هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية».
إن الإسلام وأهله عليهما دَيْن لليمن وأبنائه على امتداد التاريخ، فقد أكد التاريخ القديم والحديث أن اليمنيين قاموا بالدور الكبير في نصرة النبي سيدنا محمد وأتباعه، خاصة حين اشتد الأذى برسول الله وأصحابه الذين اتبعوه في ساعات العسرة، فهب اليمنيون من «يثرب» إلى مكة لنصرته، فكانت منطقة «منى» القريبة من المشعر الحرام «مزدلفة» مكان اللقاء الأول الذي بايع فيها 12 من وجهاء الأوس والخزرج سيدنا رسول الله، وكانت البيعة الثانية في «منى» الموقع الأول نفسه، إذ بايع اليمنيون رسول الله بعدد 73 رجلاً وامرأتين على أن ينصروا رسول الله إذ جاء إليهم وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأنفسهم وأهليهم، فكان التوكل على الله وكانت الهجرة المباركة، فكان أن وفى اليمنيون بالعهد، فعزروا رسول الله ووقّروه ونصروه، وقدم الأنصار أرواحهم فداءً للإسلام، ونالتهم دعوة رسول الله.
بديهي أن صحيفة سيارة لا تستطيع أن تقدم اليمنيين في موكب الإسلام إجابة ودعوة وجهادا؛ ولكن قد تكون الإشارة مفتاحاً لمن يريد الاستزادة. وإذا كنا قد عرضنا للحديث عن بيعتين قام بهما أخوال سيدنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في منطقة «منى» شرق مكة المكرمة (6 كيلومترات)، وكيف أنهم استنزلوه بعد إعطائه الأيمان الوثيقة، فإني أحب أن أعرض لدوافع كبرى كانت وراء استنزال سيدنا رسول الله وإغرائه بالهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة) أو كما يسميها الوهابيون «المدينة النبوية»، ولا بأس أن تكون هذه الدوافع الكبرى من وجهة نظري الخاصة ذات بواعث تاريخية، فنحن نعرف أن العلاقات بين الشمال والجنوب في الجزيرة العربية، وهي علاقات أملتها حينها ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية، ومجمل القول فيها إنها علاقات متوترة تخف وتشتد حسب الفصول، وللباحث أن يقرأ وفادات قريش إلى صنعاء، ومنها وفادة شيخ قريش وسيد مكة عبدالمطلب إلى الملك سيف بن ذي يزن، وقد قص القرآن رحلة الشتاء والصيف، التي كان يقوم بها القريشيون من شمال الجزيرة العربية في الشتاء إلى اليمن وإلى الشام في الصيف.
ثانياً: ما كان يحصل بين الشمال والجنوب من مناكفات تتعلق بالمرعى والمسقى والمصاهرة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الخصومة بين الطرفين، كل طرف يطمع أن يعلو على الآخر، وهذا الأمر مستمر حتى اليوم. ومن الطريف أنه حين ناقش اليمن والسعودية موضوع الحدود اليمنية - السعودية، أخرج الطرفان وثائق عبارة عن رسائل بين شيوخ القبائل من الطرفين يستأذن فيها كل طرف الآخر السماح له بالرعي والتنقل.
ثالثاً: ما توطده -غالباً- علاقة المصاهرة، التي تتمظهر في الخؤولة النسبية، من ولاء وحمية وحميمة، ففي تاريخ العلاقات بين الأمم والشعوب ما يؤكد هذا المعطى الذي يظهر في الثقافات بشكليها المادي والوجداني، فالنبي رسول الله يتداوله التاريخ أنه -وإن كان قرشيا (صليبةً) إلا أنه يمني (خؤولة)، ولهذه الدوافع وغيرها كانت عصبية الأنصار للرسالة الإسلامية منطلقة في مبناها العام من هذا المنطلق (راجع إن شئت: جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام).

أترك تعليقاً

التعليقات