فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
تأسست «النقطة الرابعة» الأمريكية في مدينة تعز سنة 1958، وكان الهدف المعلن: تنمية المجتمع اليمني، كما هو الشأن في السياسة  الأمريكية ذات الظاهر والباطن. وليس من شك في أن بعض هذه التنمية -وهذا ما حصل- كان واقعاً حقيقياً، كمشروع «كينيدي» الذي سحب المياه من أحواض الحقول المحيطة بتعز إلى المدينة، علماً أن مدينة تعز كانت تستمد مياهها من جبل صبر عبر السواقي المبنية من «القضاض» التي بنتها الأيدي اليمنية في صدر «صبر» بعبقرية هندسية رائعة أيام الزمن الرسولي والأيوبي.
فإلى عهد قريب (السبعينيات) كانت المياه ترد إلى تعز من صبر، وكنت أشاهد السقائين يحملون الماء على عواتقهم إلى البيوت من قلب سوق المدينة: «حارة المظفر»، ومن أماكن أخرى في المدينة. غير أنه غار ولم يعد له وجود، لعدم العناية بالسواقي التي كانت كأوشحة بيضاء تلتف وسط الجبل. أما الماء الذي كان ينزل من الجهة الشرقية فأحسب أنه ما يزال يتدفق بسخاء؛ غير أن أحد أفراد النظام «الزعيم» وأقاربه تدخل لحل الخلاف عليه بين قبيلتي قراضة والمرزح (من قبائل صبر) فحكم بينهما حكم الحاكم المملوكي المصري السلطان «قراقوش»، فأصدر فرمانه العالي منعاً للنزاع بأن يصب الماء في قصره المشيد!
عوداً على بدء، كانت النقطة الرابعة الأمريكية في حقيقة الأمر مركزاً استخباراتياً للـ(سي آي إيه) في قلب الجزيرة العربية؛ إذ تمثل مدينة تعز مكانا «لوجستيا» للتعبئة والإعداد للأمريكيين، ليس لأن تعز قريبة من الممر اليمني العالمي باب المندب وحسب، بل ولأنها بالإضافة إلى ذلك تعد نصيب أمريكا من أرض اليمن، التي كان يحتلها الاستعمار البريطاني في الجنوب الشرقي من الجزيرة العربية. فالمسألة مسألة تقاسم بين أمريكا وبريطانيا، اللتين تذاكراننا بهذا التقاسم بين منطقة وأخرى وزمن وآخر. وهذا التقاسم يراه المستعمر الأجنبي حقاً مشروعاً في الزمن القديم والحديث والمعاصر، فبينما زرعت روسيا الشيوعية (الاتحاد السوفييتي سابقاً) قاعدة «العند» في جنوب اليمن، زرعت أمريكا قاعدة «الظهران» شمال شرق الجزيرة (السعودية)، ويعود الاحتلال من جديد وبصورة أكثر صلفاً وفجاجة، فهاهي أمريكا تحتل مطار «الغيضة» الدولي ليكون قاعدة عسكرية ضاربة وبتمويل أعراب السعودية، كما أن أمريكا تحتل «سقطرى» لتكون قاعدة تصل بين البحرين الأبيض والأحمر وبتمويل إماراتي.
ليس العتب على أمريكا، ولا على الأعراب. العتب على مرتزقة نفايات الموائد، الذين توشحوا ملابس الشيطان ومسوخ الرهبان!

أترك تعليقاً

التعليقات