فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -

قيل إن الرئيس الغشمي أول ما رأس الجمهورية طلب إلى عدد من المشائخ وأفراد آخرين أن تأتي أموال السعودية إليه أولاً ليقوم بتوزيعها عليهم بنفسه ووعدهم بشرفه (العسكري) ألا يأخذ منها ريالاً واحداً. قال هذا وبيده نسخة من "كشف اللجنة الخاصة"، ولا أعلم تفسيراً لهذا الطلب. ولعل القارئ الكريم يذكر ما قاله الشيخ حميد الأحمر، وهو أنه يستلم من السعودية راتباً شهرياً، وعدداً من إخوانه، ومن بين الذين يستلمون هذا الراتب الرئيس علي عبدالله صالح الذي كان يقايض المناضلين فيأخذ منهم المعلومات مقابل تسليمهم الفلوس كما فعل مع قيادة الناصريين الذين طلبوا إلى العقيد الأخضر معمر القذافي أن يقوم ببناء مدينة سكنية لأيتام شهداء الحركة الناصرية الذين قبض أرواحهم العقيد علي عبدالله صالح ذات ليلة، فاكتفى علي صالح بسحب المعلومات وترك لهم النقود، فهو "غني من بيتهم"، أو على أقل تقدير كان قائداً للواء تعز ومعسكر خالد في المفرق. أما الأرقام الحقيقية التي تبرع بها العقيد القذافي فبالإمكان سؤال قيادة الناصريين ليردوا النصف منها لأيتام الذين قيل إن بعضهم قُتلوا بجنزير دبابة، والله أعلم!
لتكن هذه السطور فاتحة لمن يريد أن يكتب عن تاريخ اليمن الحديث والمعاصر. وأحسب أن جهات الاختصاص ومن باب الواجب الوطني ستمد الباحث بالمعلومات الكفيلة بكتابة تاريخ موضوعي هادف لنبني عليه حاضراً مشرقاً، وليصحح هذا الواقع بإخلاء أحداثه من المزاجية التي هي الداء الذي هو معطى من معطيات المبالغة والزيف والمغالطة!
على مراكز الدراسات والبحوث أن تقوم ببرنامج تطهير وتظهير، تطهير للوقائع لتكتب كما هي، وتظهير للوقائع التاريخية، وما يعنيه هذا التظهير من دعم ومؤازرة حتى تكتب "تعليقات" يشد بعضها ببعض، ليكون -كما قلنا- بالإمكان البناء المؤسسي عليه، فلا حاضر لمن لا ماضي له. والواقع أن الماضي في العصر الحديث كما هو في الحاضر على درجة من السوء. غابت اليمن عن أحداث الإمبراطورية الإسلامية، ثم لم يكن العصر العثماني في اليمن وغير اليمن غير عصر جباية تؤخذ من اليمن الفقير فترسل إلى الباب العالي في تركيا، ثم جاء عصر الإمامة التي ارتأت أن بقاءها مرهون بتجهيل أبناء اليمن، وجاء عصر آخر هو عصر الثورة التي ارتأى بعض أبناء اليمن ألا ثورة وإنما هو انقلاب، لأن الثورة انقضاض على الماضي بشكل تغيير شامل، والدليل على ذلك أن بعض الذين خططوا للثورة إنما كانوا ينقمون على الملكية، لأن الإمام لم يكن يعطيهم العطاء الذي يليق بمكانتهم الاجتماعية، ولقد انحرفت الجمهورية عن مسارها الحقيقي مما جعل كثيرين من أبناء الجمهورية يبحثون عنها في مجاهل الريف، كالزبيري الذي سقط شهيداً في منطقة برط، ولسنا قادرين على تحديد أخطاء أنجزها بعض الجمهوريين لنعرف لماذا أقحمت وزارة بكاملها في سجن جمال عبدالناصر واستمرت شهوراً، ولولا نكبة حزيران 1967 لما خرج هؤلاء الثوار من بطن حوت السجن الحربي!
لقد كنا نأمل من كتابة المذكرات أن تكون عاملاً مساعداً لكُتّاب التاريخ، فيضعوا لنا العوائق التي حالت دون كتابة الوقائع بشكل منهجي وعلمي، كما مذكرات القاضي الإرياني وسنان أبولحوم وأحمد جابر عفيف وغيرهم كثير، فلقد شعر هؤلاء المذكراتيون بجرح بالغ عندما وقعت بعض الأحداث كحادث مقتل الزبيري، ولا ندري إن كان بعض المذكراتيين قد كان من واجبهم الكتابة عن يوم الكرامة الذي سقط فيه شهداء في ساحة الجامعة، وأين ذهب القتلة؟! بل وأين الشهود ليدلوا بشهاداتهم؟! أين ذهب القتلة والشهود؟!
بإمكان دولة الإنقاذ أن تكشف حقائق تاريخية حاسمة، وباختصار لا بد من فتح الملفات أمام الباحثين ليقف الشعب اليمني على الحقائق بشفافية وموضوعية.

أترك تعليقاً

التعليقات