فضول تعزي
 

محمد التعزي

محمد التعزي / لا ميديا -
العالم ينفجر شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، والصراع يتخذ أشكالاً مختلفة، تنتجه دول كبرى، إذ كل دولة تطمع أن يكون حظها أكبر من أختها، وقد قال هتلر في زمن لم يزل قريباً في كتابه "كفاحي" إنه يسعى لاحتلال العالم لمصلحة ألمانيا. والأطماع العالمية لا تجد حرجاً في سبيل أن تخضع هذا البلد أو ذاك لسيطرتها العسكرية متى وجدت ذلك ممكناً، والطريف في الأمر أن أي قوة محتلة تمهد للسيطرة باستخدامها فكرة أيديولوجية، سواء كانت هذه الأيديولوجية ذات اتجاه عقلي أو غيبي، والمسألة نسبية، غير أنه بين لحظة وأخرى يتكشف بعض الوقت وعي المواطن عن إيمان عميق يتجه به إلى التمرد على هيمنة الاحتلال الذي باشر نهب ثرواته ومقدراته الوطنية.
لقد كانت الحرب العالمية الأولى 1914-1918 بداية تقسيم الوطن العربي، فقد كانت الجزيرة العربية غرباً ووسطاً وشمالاً داعمة للإمبراطورية العثمانية أثناء الحرب، بينما كانت مناطق شرق الجزيرة العربية في وفاق مع بريطانيا، وقام الشريف حسين، جد الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن حالياً، عام 1916 بقيادة ثورة ضد الاحتلال العثماني بمساعدة بريطانيا وخبيرها لورانس العرب. وأثناء الحرب بين فرنسا وبريطانيا 1916 وقعت الدولتان المذكورتان اتفاقيتين وقع فيها عن الجانب البريطاني مارك سايكس وعن فرنسا جورج بيكو على تقسيم الوطن العربي، فكانت سورية ولبنان من نصيب فرنسا، ووقعت فلسطين تحت الإدارة الدولية، وكان العراق تحت الإدارة البريطانية، ونصت الاتفاقية على درجة محدودة من السيطرة العربية المستقلة على أجزاء من سورية والجزيرة العربية وإمارة شرق الأردن.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فإن "سايكس بيكو" مازالت تعمل بصيغة جديدة، والذي يتضح الآن أن كل العالم بما فيه روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي سابقاً والولايات المتحدة الأمريكية والأوروبية تشتعل فيها ثورات عرقية أفرزها الصراع الطبقي والفئوي والشرق الأوسط، وأمريكا نموذجاً.
إن الجماهير في العالم تعيش حالة من التمرد يصل حد الغليان والثورة، فكل فريق يريد جانباً من هذه الثروة، بل يطمع بها جميعها، وقد شهد العالم خاصة في منطقنا العربية، ثورات "الربيع العربي"، ثورة جياع في عواصم ثروات مقصورة على الأسر الحاكمة المستأثرة بكل شيء، فما من بلد عربي إلا وهو واقع ضمن سيطرة النفوذ الأجنبي، وما من بلد في الشرق أو الغرب إلا وهو يعاني من التمييز والفقر الرهيب. أما الإنسان فهو مستبشر باتجاه الخلاص من الماضي بكل أعبائه، بأنها ثورة ستنتهي بالفضول قامت غير مشكورة إن لم تحقق الخلاص المنشود، فالواضح حتى إعداد هذه السطور أن ثورات "الربيع" صارت خريفاً وشتاءً بفضل الانتهاز الرخيص.

أترك تعليقاً

التعليقات