أول الثورات ضد السخرة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لقد أهمل التاريخ الإسلامي قصة ثورات كثيرة قام بها عامة الناس من فقراء ومستضعفين ومستعبدين مقهورين، مع أنها كانت موجودة وحاضرة باستمرار في عصور مختلفة للدول التي حكمت باسم الإسلام، ولم يهتم المؤرخون بها حتى لا يبرزوا سيئات الأنظمة القمعية السلطوية وغير العادلة المخفيّة خلف مصطلح الخلافة.
لأن التاريخ الإسلامي عمومًا كُتب أغلبه من وجهة نظر مؤرخي السلطة، إذ كانت هنالك وظيفة تُسمّى مؤرخ البلاط في الخلافة الإسلامية، وكان هذا المؤرخ يكتب ما يُرضي النظام القائم. كما كان المؤرخون الآخرون يخافون من توثيق الواقع حتى لا تغضب السلطة عليهم. وفي الغالب لم يظهر مؤرخون مسلمون هدفهم توثيق الحقائق وحفظها للأجيال القادمة بلا غاية أو غرض.
ولم توثَق الثورات والانتفاضات والهبات والحركات العفوية والحركات ذات الطابع الشعبي العام التي خرجت ضد الحاكم بشكل دقيق، حتى لا يظهر عيب أو خطأ في نظام الحكم.
ولعل أبرز هذه الثورات هي ثورة الزنج الأولى، وهي كما يقول الباحثون الأحرار في التاريخ: أول ثورة ضد السُّخرة.
اندلعت ثورة الزنج الأولى في عصر عُرف بـ”السيادة العربية”، أثناء حكم عبدالملك بن مروان بين عامي 65 و86 هجريّ. كانت الخلافة الإسلامية قد تحوّلت عملياً إلى مُلك، وبسبب النظام الإقطاعي السائد آنذاك، تحوّل الفلاحون إلى مؤاجرين، وفي كثير من الأحيان كانوا يعملون بالسخرة (بلا أجر)، كما رُفعت الضرائب على الأرض حتى عجز ملاكها عن دفعها، ما استفاد منه الإقطاعيون الكبار الذين ضمّوها إلى أملاكهم بعد تخلّي أصحابها عنها.
حينذاك، استقدمت السلطة الأموية المروانية عبيداً من ذوي البشرة الدكناء الزنوج من أفريقيا، واستقدمت الزط (الغجر) من الهند للعمل في الأرض، وتم تسخيرهم للعمل الزراعي، ومن شدّة العمل مات الكثير منهم.
وبالرغم من اعتناقهم الإسلام لم يشفع لهم ذلك، واستمر قهرهم حتى تجمّع “الزنوج” تحت قيادة رجل يُسمّى “شير زنجي”، أي أسد الزنوج، وانضم إليهم “الزط” وكثير من عرب العراق الذين اضطهدهم بنو أمية، ونجحت الثورة في السيطرة على جنوب العراق ثم بلاد إيران، واستولت على بلاد “الأهواز” على الحدود الإيرانية العراقية حاليًّا، وأطلق أتباع “شير زنجي” عليه لقب “أمير المؤمنين”، الأمر الذي حث عبدالملك بن مروان على إرسال الحجاج بن يوسف الثقفي بجيشه من الكوفه للتخلص منهم.
وفشلت هذه الثورة، بعد سنوات قليلة جدًّا، لأنها كانت من عناصر وفئات مختلفة، وكانت أشبه بهبّة عفوية، ولم تملك خطة محددة، إضافة إلى تصدي الحجاج الثقفي العنيف لها وإعدامه جميع قياداتها.

أترك تعليقاً

التعليقات