دين الله لا دين الفقهاء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كنا قد تحدثنا بالأمس عن سيادة الرؤية الفقهية على حساب تراجع ثقافة القرآن الكريم من خلال مشروع الهيئة العامة للأوقاف، والمضحك في الموضوع أنهم يبررون لك أن أصحاب هذه الأموال أوقفوها للمساجد، ولا يجوز صرفها في غير ما وُقِفت له، يا هؤلاء كفاكم عبثاً واستخفافاً بعقولنا، فليتكم تستوعبون معنى الإعمار الذي تبنته الآية للمساجد، والتي اقتطعتم جزءاً منها كشعار لمشروعكم هذا، ولو أنكم تأملتم قليلاً في بقية الآية لأدركتم أن الإعمار الذي عناه القرآن وأراده للمساجد، باعتباره كلام الله سبحانه، هو الإحياء لتلك المساجد، من خلال الإعمار والبناء لقلوب وعقول نوعية خاصة من الناس، يصبح إيمانهم بالله وباليوم الآخر، هو البنية الروحية والتكوين الداخلي للذات، بحيث تصير حركتهم في الخارج قائمة على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، بالمستوى الذي يجعلهم قادرين على تأكيد المعنى العبادي لله في كل جانب من جوانب الحياة، حتى تصبح ساحة وجودهم معبرة بكل ما فيها عن سيادة الحق والعدل، ووجود القوة والإرادة المجتمعية القادرة على مواجهة كل التحديات والقوى الظالمة والمستكبرة، بما يوضح أثر الخشية من الله، من خلال التحرر من الخشية من أي قوة على وجه الأرض تسعى لتحقيق السيطرة المطلقة عليهم واستعبادهم، وإذلالهم ومصادرة حقهم في الحرية والعيش الكريم.
إن البناء الذي يريده القرآن للمساجد يهدف بالأساس لبناء الإنسان، ليصبح هذا الإنسان منارة في علمه ووعيه وقدرته على بناء واقعه والدفاع عن وجوده وقضيته، وليس البناء الذي تريدونه كالبناء الذي يريده الله، فأنتم توجدون بأعمالكم هذه القطيعة بين الناس ودين الله، باتجاهكم نحو زخرفة وتزيين المسجد، وتجاهلكم لمعاناة الناس الذين يحيطون به من كل اتجاه، فالله أراد للمسجد أن يكون نقطة الانطلاق لإقامة دين الله في الأرض كلها، وأنتم تريدون للمسجد أن يصبح نقطة ابتعاد عن كل هموم الناس وتطلعاتهم وقضاياهم، إذ كيف يمكن لمثل هذا المشروع أن يُفسر؟ فالناس بدون رواتب، والمعلمون في حالة يرثى لها، والجميع في ظل أزمة خانقة، وأنتم تقولون للجائع: «لا يمكننا منحك شيئًا من هذا المال كونه مخصصًا للمساجد، حتى وإن بلغ جوعك حد الموت».
ألستم تقدمون الله بما لا يليق بكماله ورحمته وعظمته، فالأولى بهذه الأموال مرضى الفشل الكلوي، والمعدمون والضعفاء والنازحون، والمهددون من قبل ملاك البيوت بالطرد إلى الشارع، أي دينٍ هذا الذي يترك الناس ويذهب للاهتمام بالمباني والأحجار على حساب مفاقمة معاناة البشر واستمراريتها؟ إنه دين الفقهاء، وليس دين الله، إنه الدين القائم على مسائل فقهية وآراء اجتهادية، وليس الدين القائم على تعاليم القرآن ونور الوحي، ومبادئ حركة النبوة والولاية.

أترك تعليقاً

التعليقات