العاملون وحق الانتماء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في خطابه بالأمس بمناسبة الذكرى العاشرة لثورة 21 أيلول الشعبية المجيدة، تطرق سيد الثورة أبو جبريل إلى الهدف الأساس لثورة الشعب المباركة؛ وهو الحفاظ على الهوية الإيمانية بأبعادها ومبادئها الشاملة، لا بمفهومها الاختزالي القاتل الذي يقدمه قاصرو الوعي وعديمو البصيرة والبصر هنا وهناك. الأمر الذي يجعلنا كعاملين من واقع الانتماء للثورة؛ مطالبين بالتأكيد على صدق انتمائنا للإيمان، الذي يفرض علينا الالتزام بكلمة الله في حركتنا العملية.
إن على العاملين أن يدركوا أن كلمة الله المتمثلة بكتابه الكريم، ونبيه الخاتم، الحامل للواء الرسالة العالمية الخالدة، صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، تقتضي: وجود الأتباع الذين ينطلقون من منطلق الإيمان بالله، الذي يبني في ذواتهم الشخصية المتوازنة، التي لا تعيش الازدواجية بين ما تختزنه من أفكار وعقيدة، وبين ما تلتزم به في حركة الحياة من نظم وقوانين وتشريعات، لأن إعلان الشهادة لله بالوحدانية، والإقرار له بالعبودية، لا بد لها من شاهد واقعي وعملي، يتبين من خلاله صدق المنتمين إلى هذا الدين، بحيث تصبح لديهم الشخصية الواحدة على مستوى الأفكار والعاطفة والخط العملي، فهم هم في سرهم وعلانيتهم، وظاهرهم وباطنهم، لقد أخلصوا لله النية، وأسلموا إليه القلوب والأرواح والوجوه، فصار الفعل مظهراً من مظاهر الصلاح النفسي الداخلي، وصورةً معبرةً عن القول، وشارحةً لمعانيه ودلالاته.
وليسوا مَن إذا خلا بعضهم إلى بعض، كي يقفوا على قضايا الواقع وتحدياته، ويتدارسوا هموم الناس ومشاكلهم، ويضعوا الخطط والبرامج التي تحقق للمجتمع أمنه واستقراره، سيطرت عليهم النزعة الشعورية المشبعة بالغرور والاستعلاء، والتي تجعل المصابين بدائها يرتفعون بأنفسهم إلى مستوى الإله، فيبدؤون بتصنيف كل مَن يقوم بتنبيههم إلى الأخطاء، وتحذيرهم من خطر الغفلة والتساهل عن فعل المتاح لنفع الناس، وبناء واقعهم، في خانة الجاحدين، وضمن الحاقدين والكارهين للحق، والمجانبين للهدى، الملتزمين طريق الضلالة والشر والفساد، ليخلصوا بعدها إلى ضرورة صدهم وردعهم، وإيقافهم عند حدهم، وهناك تتناسل الخطط الشيطانية التي تلبس الحق بالباطل، مقررةً لأساليب ماكرة، وطرق ظالمة، تتحرك بالخفاء، وتنطلق بسرية، لتكيد هذا، وتقهر ذاك، وتصادر حق ذلك في الحياة والعمل والعيش الكريم، وكل هذه الطرق والأساليب مبنية على الإثم، منطبعة بطابع العدوان، معبرة عن وجود عصيان لله، وخروج عن طاعة واتباع القيادة الرسالية، وإنما هم المتبنون للخير والعدل والبر والمعروف وإصلاح الواقع كله، المتحركون بحركة التقوى في سرهم ونجواهم، المستشعرون لرقابة الله في كل حالاتهم.
إنهم ينظرون إلى موقعهم في هذه الحياة، وإلى الدور الذي يفرضه عليهم الانتماء الإيماني كنعمة من الله، يجب شكره عليها، من خلال التواضع ونسيان الذات، والتخلق بأخلاق القرآن، بحيث لا يكون لانتمائهم أي تأثير سلبي على نفسياتهم، كأنْ يعمدون إلى تمجيد ذواتهم، والتغني بسابقتهم في التحرك والتضحية، معتبرين ذلك دليلاً على أفضليتهم، وحريصين على تذكير الناس بما قدموا، وتعريفهم بما صنعوا، لا من باب أخذ العظة والعبرة، وإثراء التجربة الإنسانية بما يعزز ثباتها، ويحفظ عزتها، وينمي قوتها، ويضمن لها البناء التربوي السليم، وإنما من باب المَنّ على الله وعلى الرسالة في امتدادها الواقعي المتمثل بالقيادة المؤمنة، وعلى الناس كلهم، بل المنة لله، فهو الهادي لهم، هذا إذا كان إيمانهم لايزال صحيحاً، حقيقياً، لا زيفاً متوهماً.
وكيف لمَن يعي أنه لا يمثل نهاية الخلق، ولا يملك أمر الوجود والعدم، إلا بما يسره له الله، وصار من موقع الفهم للنظام الكوني الذي صاغه، ووفق السنن التي بنى عليها حركة الحياة أن يغتر ويطغى، وينسى ربه ونفسه، وهو يعلم أن الله مستبدله بغيره، وموكل الدور الذي شرفه به إلى سواه من جنده، إذا عجز، أو جهل، أو تجاوز الحد، أو خان الأمانة؟! 

أترك تعليقاً

التعليقات