حق الشهداء علينا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في حضرة الشهداء الأبرار كم نخجل من أنفسنا، ولاسيما عندما نقرأ سيرهم، ونتلمس آثارهم، ونسمع أخبارهم، فنقوم بعد ذلك بمقارنة ما فعلوه، ومدى ما أنجزوه في مسارهم صوب التغيير والبناء، مع ما فعلناه نحن، وأنجزناه في السياق ذاته! عندها سندرك أننا لا نزال متأخرين جداً عن النقطة التي وصلوا إليها في تقدمهم العملي، وارتقائهم الروحي، وكمالهم الإيماني، وبعيدين كل البعد عن اللحاق بهم، وحمل المهمة التي حملوها؛ لأننا ببساطة نفتقر إلى الآلية التي تؤهلنا لتفهم المنهجية المعبرة عن المشروع كما فهموه واستوعبوه ووعوه وعرفوه وعملوا به هم. كما نفتقر كذلك إلى وجود إرادة حقيقية تدفعنا نحو السعي لاستكمال ما بدؤوه، والحفاظ على ما تم تحقيقه على أيديهم، نظراً لانعدام الأسس والدوافع النابعة من دواخلنا، والمعبرة عن تجذر وحضور وفاعلية العقيدة، التي تصنع الروحية، وتنمي الفكر، وتقوي العزيمة، وتبني الإرادة، وتدفعنا صوب المراجعة وتقييم أنفسنا وأعمالنا وأفكارنا، من واقع استشعار الرقابة الإلهية، والإحساس بحجم المسؤولية التي حملنا الشهداء إياها.
إن حق الشهداء علينا اليوم وغداً وفي كل يوم هو: الحرص على إبقاء المبادئ والقضايا التي ضحوا من أجلها حيةً حاضرةً قويةً ناميةً متجددةً في كل الظروف والأحوال، فهم لم يضحوا إلا في سبيل الحق والعدل، الأمر الذي يحتم علينا الابتعاد عن سبل الباطل، كبيرها وصغيرها، والتخلص من كل أحابيل الزيف والمغالطة التي نعتمدها أحياناً لإلهاء أنفسنا، أو إلهاء الآخرين والمزايدة عليهم، والتوجه الصادق لإقامة القسط بين الناس، ومحاربة الظلم والظالمين، وتبني العدالة بشتى معانيها، كسياسة عامة تُطبق على الكبير قبل الصغير، ويلتزمها المسؤول قبل الموظف العادي أو المواطن.
إن العار كل العار، والخزي كل الخزي، سيصبحان رداءً وإزاراً يلبسهما كل مَن يحتفي بذكرى الصادقين، في حين يجعل من الكذب مأكله ومشربه ومتنفسه، وبضاعته التي يعرضها أمام مجتمعه ليلَ نهار، ويتحدث عن المخلصين في حين يتخذ من الرياء مركباً للوصول إلى أعلى المراتب، وبلوغ ما تسول له به نفسه من أهداف وغايات رخيصة ودنيئة، على حساب الأهداف السامية، وتحت غطاء الغايات النبيلة، ويكتب عن الذين بذلوا مُهجهم، وضحوا بوجودهم المادي والمعنوي في سبيل الله والمستضعفين، في حين لا يتوانى عن انتهاك حدود الله، والتعدي على عباده بقولٍ أو فعل، ونهب حقوقهم، والعمل على ظلمهم، إلى جانب التقصير في تقديم الخدمة العامة لهم كما يجب، وحسب الممكن والمتاح، ولا بأس أن يهتم بألوان العبايات، وأنواع الحجاب وكيفيته بالنسبة للمرأة، وتغيير تركيبة كراسي الباصات الصغيرة، وتجريم حمل العود، وصوت الغناء، وفرض حمل عقود الزواج والبطاقات الشخصية على كل رجل وامرأة يذهبان للأماكن العامة، وإذا ما وجد ضجةً شعبيةً مقابل ما ينتهجه من سياسات وممارسات، فلا شيء أسهل عليه من الخروج للناس ببيان طويل عريض ينفي فيه صدور مثل هذه الأمور من قبله، ويعلن عبره براءته من الذين قاموا بها، ثم مَن سيجرؤ على أن يقول إنه تلقى التعليمات منه؟! إذ لديه شواهد من الواقع تبين له كيف فعل هذا وأمثاله مع الموالي والمناصر، والمجاهد الباذل، عندما انتقد، أو نبه، أو حذر في مرحلة من المراحل، وأين أصبح، فما بالك بالمخالف أو المعارض كيف سيتم معاملته؟! وبأي طريقة سيتم التنكيل به؟! لذلك ليس هناك من سبيل سوى أن يدور الجميع مع هذا وأمثاله حيث داروا، دون أن ينبسوا ببنت شفة.

أترك تعليقاً

التعليقات