قاب نصرين وقدس
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
 لقد انتقلنا قبل عامٍ، وفي مثل هذا اليوم، من ثقل الإحباط وتداعيات الهزيمة وعقلها المتلبس بهواجسها، إلى مراقي التجرد من كل شروط الهزيمة، مستأنفين الجهاد في سبيل الله بمفهومه الحق، وعززنا صلتنا به سبحانه، فعشنا الوثوق بما في يديه.
إن عاماً منذُ انبلاج فجر «طوفان الأقصى» كفيلٌ بتقديم ما يلزم بين أيادينا لكي نتعرف على الروحية المجاهدة التي خططت ونفذت وصمدت وصبرت وضحت ولا تزال تنتقل بنا يومياً درجات صوب بناء الذات في عالم الفعل المعبر عن الوجود. إن هذه الروحية التي أخرجتنا من مقابر الموات المهزوم، إلى دنيا النصر والانتصار، هي ملكة لا تحصل إلا عند من سار في مسالك العرفان، ويعيش لقيم العدالة والحرية. وهما من قيم الخير، أي من قيم الوجود، وحينئذ لا بد من أن ندرك أن المقاوم المجاهد هو الذي تملكته روح المقاومة والجهاد حتى بات لغزاً لا تنهدم أسوار معانيه وأسراره المنيعة بوسائل التعرف القريبة، نتيجة السير في رحلة روحية لها قواعدها ومقاماتها.
إن المقاومة والجهاد هي طريق العرفان نفسه على مسلك الأسفار العقلية والروحية الأربعة.
إن المقاوم المجاهد الذي صنع كل هذه التحولات، لم يأتِ من الفضاء، فقبل أن تتملكه روح المقاومة والجهاد بوعي عقلي واستعداد روحي تأمين كان قد قطع هذه الرحلة، وتركت فيه من تصاميمها ما يظهر جلياً في آثاره ومسالكه، إنهم في البدء كانوا من جنس من غرقوا في عالم الهزيمة، وثقافتها في وجودنا المحبط. وحيث هم من هذه النشأة المهزومة منذ النكسة، ومرورا بكل الهزائم وتناقضات المشهد، كان لا بد أن يتشربوا هذه الروح الخائرة الضعيفة والمتبلدة، ما يقتضي منهم اجتهادا في الفهم، ومجاهدة للنفس وجهادا في الميدان. وحيث حدث أن وفقوا لهذا السفر الروحي وطريق كمالات النفس، خرجوا من عالم الهزيمة وثقافتها المؤطرة بمعرفة الخلق إلى عالم النصر وثقافته المؤطر بعرفان الخالق.
إنهم تعلقوا بالله، الذي يبدأ التعلق به بكشف الحقائق فتنفضح معه أوهام الخلق، ومن ثم يبلغ السفر مداه من النصر إلى النصر بالحق عبر تمثل صفات الأسماء والأفعال التي تنقشع معها بواعث الهزيمة وحجبها التي تحول دون رؤية معالم النصر بوصفها من أعراض ضعف الخلق.
حتى إذا بلغ السفرين -في عالم النصر الإلهي على الذات الخائرة في منتهى قوس الصعود- مبلغهما بدأ العود إلى عالم الهزيمة بعقل منتصر.
وحيث إن فيوضات النصر الإلهي لا حدود لها، حيث لا يعلم جنود ربك إلا هو، فإنه لا بد في رسوهم فوق عالم المهزومين من أن يتمثلوا لغة تفهيم عالمهم المهزوم، وهنا يصبح الحديث عن المقاومة بتكتيكها واستراتيجيتها من وسائل النهوض بحقيقة النصر في عالم غلبت عليه لغة الهزيمة ووسائلها.
ذلك لأن المقاوم المجاهد في تجليه في عالم الهزيمة لا يشعر أنه يقامر من أجل نصر لم يقع، بل هو يشعر بأنه منتصر سلفا، ولكونه منتصراً بالقوة كشرط وجوده في عالم المهزومين، فإنه يبحث عن انتصار بالفعل وفق الاستراتيجيا والتكتيك المتاحين في عالم الخلق، وهو أصلا لم يحط في عالم المهزومين إلا بعد أن انتصر.
إن النصر الإلهي حتمية تساوق مفهوم الوعد الإلهي «إن تنصروا الله ينصركم». وهنا لا بد من أن نقرر أن المقاوم المجاهد انتصر منذ نصره لله في عالم النصر الإلهي لمجرد تحقق السفر من الخلق إلى الحق؛ السفر الذي يتحقق بالمجاهدة النفسية والجهاد الميداني؛ فتتحول الحرب عند المقاوم العارف إلى محراب للعبادة.

أترك تعليقاً

التعليقات