كي لا نكون ضحية ثالوث السياسة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا تكاد تفتح عينيك لاستقبال شمس صبحٍ ليومٍ جديدٍ، إلا ووجدت من الأخبار والممارسات والقضايا والإشكالات الشيء الكثير الذي يدفعك لتقول رأيك فيه وتبدي ما خفي منه، أو تكشف للناس خطورة جانبٍ من جوانبه لم ينتبهوا له، لأنهم اعتادوا في معظم ما يسمعون ويشاهدون ويقرؤون أن يمروا مرور الكرام دون أن يكلفوا أنفسهم أي عناء فكري إزاء ذلك من خلال التوقف قليلاً عند طبيعة الكلمات التي تتسابق على الدخول إلى مسامعهم بغرض التأسيس لفكرةٍ ما أو أفكار عديدة في ذهنيتهم كمتلقين، ليتحولوا نتيجة تلك الأفكار التي استقرت في الأعماق كقناعات ومسلمات معنيين بترجمتها إلى مواقف عملية تتعدد آثارها ونتائجها وتتنوع بين السلب والإيجاب تبعاً لنوعية الفكرة التي هي المسؤول الأول والأخير في قضية الإيجاد لمجتمعٍ قائم على السلامة في فكره وقناعته ليتجه نحو البناء والإعمار بسمو روحي ومعنويات عالية تجعله كلما التقى بالعقبات في طريقه وواجه الصعوبات في مسيرة حياته وخط رساليته ازداد قوة وتماسكاً وصلابة وعزماً كي يجتازها، فهي بالنسبة له عوامل لا بد منها من أجل اختبار مدى التزامه بتلك الأفكار ومدى إخلاصه للقضية والرسالة التي يحملها، كما أنها سبيله المنشود الذي يعزز من خلاله قدراته ويستخرج بموجبها جميع قواه الكامنة في روحه ويظهر عند اصطدامه بها جميع طاقاته لكي يزداد وعياً بقيمة الهدف الذي يسعى للوصول إليه.
هذا في ما يتعلق بالجانب الإيجابي المستند إلى فكرٍ سليم وعقيدةٍ صحيحة، فماذا عن الأفكار الخالية من السلامة والعقيدة القائمة على الفساد؟!
السماح للجاهل بتقديم نفسه كعالم جريمة، لأن خروجه إلى الناس وحركته بينهم بناءً على أنه عالم سيمكنه من غرس بذرة الجهل الذي يحمله ولا يملك سواه في نفوس وعقول ووعي العديد من أبناء المجتمع الذين يلتقي بهم وينظرون إليه نظرة توحي بشيء من الاحترام والتقديس، نتيجة الأنشطة الترويجية والأعمال الدعائية التي سبقت حركة هذا الجاهل بين الناس أو التي تتحرك تزامناً مع تحركاته لتذلل له سبل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من المتلقين، الذين بفعل الزمن سيصبحون محبين له ومتبنين لآرائه، وقد يعملون بجد ونشاط وحيوية كأنهم خلية نحل لنشر ثقافته وتعميم كل ما يطلقه من مفاهيم على ضوء ما يؤمن به من أفكار، لنجد أنفسنا بعد زمن أمام العشرات وربما المئات وأحياناً الآلاف ممن قد أصبحوا نسخاً طبق الأصل من صاحبنا، في الشكل والمضمون، والذين سيصنعون في واقعنا نسخاً منهم لنصل في نهاية المطاف -لا سمح الله- إلى أن نرى المجتمع كله ضحية ذلك الواحد الذي ساعدته بعض الظروف لتقديم نفسه بما ليس له، ووفر له السكوت عنه وعن جهالاته وترهاته من قبل الواعين ملاذاً آمناً كي يعمل على أقل من مهله على تجهيل الناس وتسميم أفكارهم، مع العلم أن ضريبة السكوت والتغاضي عن مثل هؤلاء ستكون باهظة على الجميع، ولن يسلم أحد قط من دفع الثمن الذي قد يتعاظم حتى يصل إلى الحد الذي قد يصادر حريتنا وسيادتنا واستقلالنا وكرامتنا وكل إنسانيتنا.
وليس الأمر متوقفاً على جانب العلم بحيث نقف عنده لكي نسترد أنفاسنا بما يمكننا من التدقيق في الأشخاص الذين تحاصرنا ذواتهم وأطروحاتهم في كلا العالمين الواقعي من خلال إذاعة ومسجد وقناة، والافتراضي من خلال شبكات التواصل، وإنما ثمة شواهد أخرى تتحفنا بها وسائل الإعلام يومياً من خلال بعض موادها البرامجية بالشكل الذي يوحي بأمر فيه من الخطورة ما يكفي لزعزعة كل ما نراه ضمن المسلمات، ولاسيما ما كان متعلقاً بالجانب الإبداعي الذي يقودك إلى باب الأدب من أوسع طريق لتشاهد من ذلك الباب الشعر وهو يجلد دون رحمة بعد أن تم تقييده بسياط بعض قنواتنا وإذاعاتنا، فتارةً تستضيف تلك المحطات بنوعيها شخصاً لا يملك أدنى ما يدل على شيء من موهبة وليس لديه معرفة ولو بسيطة بمبادئ اللغة ويقولون لك هذا الكاتب والشاعر فلان أو هذه الشاعرة والكاتبة فلانة، ولعل أكثر ما يستفزك هو ذلك السؤال من قبل المذيع الذي يطرحه على مثل هؤلاء: من الذي شجعك في بداية الانطلاقة؟ أو حدثنا عن بداياتك؟

أترك تعليقاً

التعليقات