مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
في مدرسة الرسول صلى الله عليه وعلى آله، المنهاج الرسالي القادر على صياغة التركيب النفسي والشعوري لدى المجتمع اليماني الإيماني، بالمستوى الذي سيمكنه من التحرر من كل القيود والثقافات والأفكار التي جعلته مستسلماً أمام الأوضاع والتحديات التي حكمت واقعه المزري، وسلبته القدرة على البحث عن السبل التي بإمكانها أن تخرجه مما هو فيه من بؤس وشقاء وفقر وضياع وانعدام للوزن؛ فهي المدرسة التربوية التي تربي أتباعها على أساس تعميق الدوافع بضرورة فعل كل ما يلزم من أجل تغيير ذلك الواقع، بحيث تصير تلك الدوافع جزءاً أصيلاً في بنية الذات، الأمر الذي سيوجد الروحية السباقة والمبادرة لتحمل المسؤولية، ومن واقع الإحساس العالي بأهمية تحملها، إحساسٌ عنوانه الصدق في التوجه للقيام بأداء الواجب في مختلف ميادين وساحات الحياة والأحياء، وذلك من أجل إقامة الحق والعدل، كهدف لا رجعة فيه، ولا محيد عنه، ولا تساهل في تطبيقه وتعميمه على الحياة كلها، وإنْ واجه المجتمع ما واجه من الصعوبات والمشاق التي ستعترض طريقه وهو يسير باتجاه ذلك الهدف الإيماني المقدس، الذي هو عنوان برنامج كل الرسل والرسالات الإلهية، بل هو هدف إرسال الرسل على مر التاريخ، منذ آدم حتى خاتم أنبياء الله ورسله محمد صلوات الله عليهم جميعاً، إذ لن تتم عملية بناء حقيقية ومتكاملة للفرد والمجتمع، وبالشكل الذي يحقق النهضة والرقي والتطور لكل مجالات الحياة وبمختلف تفاصيلها ومفرداتها، إلا بتحقق هذا الهدف، الذي لا بد أن يتم إدخاله في سنخ الجوهر الإنساني لدى العاملين والثوار، بحيث يصير تحركهم ذا أثر إيجابي نوعي، بحيث يصبح ميدان عملهم مليئاً بالمظاهر الموحية بعظمة وأهمية تحركهم، فلا عقبات تحول بينهم وبين هدفهم، ولا صعوبات تجعلهم يستسلمون للأعذار والتبريرات الموحية بالعجز والاسترخاء والتراجع والنكوص على الأعقاب.
إن هذا الهدف الإلهي من إرسال الرسل وإنزال الكتب هو الكفيل بتطهير نفوس العاملين في ميادين وساحات تحمل المسؤولية من كل النقائص والغرائز والشهوات والأطماع والأهواء والرغبات التي تشدهم إلى الإخلاد إلى الأرض، والانسلاخ عن آيات الله، ليصيروا بعد ذلك عبيداً للدنيا، يبحثون عن الحياة التي تحقق لهم متعهم، وتروي نهمهم، بغض النظر عن الحق والباطل والخير والشر والصلاح والفساد والعدل والظلم، مما يشل حركة المسيرة نحو البناء، فتقف وتسقط في بداية انطلاقتها، وقبل أن تصنع شيئاً يُذكر، فهو سيربي نفوس وعقول وأرواح العاملين، ويفتح المجال لحشد وتفجير كل طاقات المجتمع، ويؤسس لانطلاقة واعية وجادة من قبل الدولة لتبني كافة الموهوبين، وتنمية مواهبهم، فهو أصلٌ من التركيبة الإيمانية، القائمة على المعايير والمبادئ المعبرة عن مدى القرب من الله، ومستوى الإخلاص له بالوحدانية النابعة عن معرفته وحبه سبحانه.
وهكذا سيكون الإحساس بالعبودية المطلقة لله العامل الذي يقضي على نزعة التأله والطغيان في نفوس المسؤولين، ليتحركوا كعبيد لله، بين الناس، لا كأرباب ومُلّاك لهم، الأمر الذي سيوجد الفرد والمجتمع الحر المنطلق نحو بناء الحياة الكريمة، فتكون الدنيا بذلك مسرحاً للبناء الصالح، والكدح الهادف المفعم بالنشاط والإبداع في ظل حركة مستمرة لا تقف عند حد، ولا تنقضي بانقضاء زمن أو جيل بعينه، فتخلو وتتطهر الأرض من عبيد المال، وسدنة الطواغيت، والنفسيات الممسوخة والماسخة للحياة والإنسان، التي عممت في الوعي واللا وعي لدى الفرد والمجتمع ضرورة النزوع نحو التعلق بالمادية العمياء مهما كان الثمن!

أترك تعليقاً

التعليقات