أحمد الحسني / لا ميديا -
لم تكن زعيماً عظيماً، ولا ملكاً كبيراً، ولا قائداً جسوراً، ولا من أصحاب المؤسسات المالية أو جمعيات الخير الموسمي، ولم تكن مدرجاً في سجلات النضال الآسنة، حتى يتسابق المادحون على أبوابك حياً، ويتبارى أصحاب المراثي في تأبينك ميتاً، ولكن كنت بسيطاً بما يكفي للتربع على ذروة العظمة، وتملك من الروح الضافية ما يسع الدنيا، ومن الجرأة والإقدام ما يحتاجه النقاء للظهور على فيالق المداهنة وحسابات الربح والخسارة، وكريماً بما يكفي لأن تغمر الناس جميعاً بالحب، وتغدق على كل من قابلته ما يكفيه من البهجة، واسمك مدون قرين كل قطرة طل على براعم الأمل في صباحات السلام، ومنساب مع ترانيم الشجن في شواجب شرعب.
ربما لما تعرف الكثيرين، لكنك عرفت كيف تكون عصياً على النسيان، وفي صدارة قائمة النفائس عند كل من عرفك، وعرفت أكثر كيف تجعل فراقك موجعاً لقلوبنا، وتخيل أنا لن نراك صعباً وأليماً.
الحروف، يا صديقي، في رثائك رثة، والكلمات في وداعك قاصرة، والقصيدة، أيها الشاعر البهي، ثكلى، لا تطاوع متجملاً.
ولست أرثيك بهذه الحروف، وإنما أبكي على سجيتي، وأحاول أن أقول لك إني ممتن لليوم الذي عرفتك فيه، وممتن لليوم الذي اخترت فيه أن تسكن فيه معي، وممتن للمساءات التي كنت ترتل لي فيها من شعر المقالح أشجان روضة الوضاح، أو تتلو عليّ قصيدة غنائية لك، أو زاملاً رومانسياً ألفته، أو رسالة كتبتها ذات غربة إلى اليمن، أو كنا فيها على إيقاع صواريخ العدوان الوضيع، نموت ضحكاً من ذكرياتك عن لؤم مشائخ الهيئة ومروءة الطقاقة موضي، وغيرها من متناقضات مملكة آل سعود الوهابية، وعن طفولتك الشقية في الأمجود، واستحضارك الجان في منزل جدتك، ومداواتها بالقياس لنساء القرية، وانتسابها للنبي سليمان، وسماعها للبي بي سي...
ممتن لتلك الأيام والليالي التي أغدقت عليّ فيها طيبة قلبك، وغمرتني فيها بدفء مشاعرك وصفاء روحك. ممتن لك يا صديقي، و للسنوات القصيرة التي عشناها معاً زملاء حرف وشركاء مسكن بسيط ووطن صمود عظيم.
أوجعنا رحيلك، وفطر قلوبنا. وعزاؤنا أن السجادة الحمراء التي طوتها الأقدار في صحيفة "لا"، بموتك، ستفرشها العشر الأواخر بين يديك في الفردوس. فالسلام على روحك في عليين.
المصدر أحمد الحسني
زيارة جميع مقالات: أحمد الحسني