البداية الصحيحة
 

أحمد الحسني

أحمد الحسني

لم تتأخر مفاوضات جنيف عن موعدها، وقد كان وفدنا الوطني موفقاً كثيراً حين اختار أن يبدأها هذه المرة من صنعاء، وهذه هي المرة الأولى التي نبدأ فيها التفاوض موفوري الكرامة دون أن نتأخر في مطار أو تمنع طائرتنا من العبور في أجواء السيسي، وقد كان رائعاً أن نفكر بالحفاظ على كرامتنا قبل أن نهرع إلى طاولة تقديم التنازلات.
حرصنا على السلام جعلنا نذهب إلى جولة مفاوضات جنيف الأولى مفترضين أنه ولو لم يكن لدى الطرف الآخر رغبة في السلام فإنه سيحترم الأعراف الديبلوماسية أو على الأقل لن تسمح الأمم المتحدة له بانتهاكها، معتبرين أن تأمين الوصول اللائق إلى مكان المفاوضات والإقامة اللائقة والعودة الطبيعية من المسلمات المتعارف عليها حتى في المجتمعات البدائية ومسألة لا تحتاج إلى نقاش ولم نتوقع أن يظل وفدنا 24 ساعة في مطار جيبوتي ولا أن يرفض السيسي والبشير عبور طائرة الوفد في أجوائهما. وفي مفاوضات الكويت أعلن المبعوث الأممي تعليق المفاوضات مدة شهر للتشاور ثم تمت عرقلة عودة الوفد الوطني وظل في مسقط ضيفاً على سلطنة عمان

 لما يقرب من ثلاثة أشهر ولما تزل حقائب أعضائه هناك حتى اليوم، والاستياء الوحيد الذي أبداه المبعوث الأممي حينها وبمنتهى الوقاحة كان من تدميرنا للبارجة الإماراتية. 
لقد منعت الطائرة العمانية التي أقلت الوفد الوطني من صنعاء أن تعيده إليها متهمة للسلطنة بتهريب الأسلحة، واشترطت المملكة وتحالفها أحد أمرين: الأول: إرسال مفتشين إلى مسقط وهو ما رفضته السلطنة بشدة باعتباره انتهاكاً لسيادتها معتبرة أن اتهامها بتهريب الأسلحة إساءة بالغة في حقها؛ أما الثاني فهو أن تمر الطائرة على مطار بيشة للتفتيش، وهو ما رفضه الوفد الوطني، أما الأمم المتحدة فقد عرضت أولاً طائرة صغيرة لتقل 15 شخصاً من الوفد المكون من 35 شخصاً ثم عرضت لاحقاً طائرة تقل الوفد بشرط التوقيع على استمارات الإخلاء التي تعفي المنظمة من تحمل أية مسؤولية عن ركاب الطائرة في حال أسقطت أو خطفت، وكلا العرضين رفض من قبل الوفد كان الهدف هو احتجاز الوفد الوطني بصيغته الثنائية لمفاوضات أخرى في حال فشل قرار نقل البنك المركزي في تفجير الوضع الداخلي وحسم المعركة وكان واضحا أن وضع تلك الشروط التعجيزية لعروض التحالف والأمم المتحدة المؤكد رفضها من قبل الوفد هو محاولة  لإخلاء مسؤولية الأمم المتحدة من فضيحة احتجاز الوفد وإلقاء اللائمة بذلك على عدم قبول الوفد الوطني بتلك العروض وشروطها المهينة للوفد والمسيئة لسلطنة عمان الشقيقة. 
إصرار الوفد الوطني اليوم على أن تقله الطائرة العمانية إلى جنيف كان قراراً صائباً وحكيماً ومهماً وضرورياً أيضاً، ليس لأنه يندرج ضمن إجراءات السلامة البدنية لأعضاء الوفد فالحياة والموت بيد الله والأخطار التي يمكن أن تهدد الطائرة الأممية يمكن أيضاً أن تهدد الطائرة العمانية، كما أنه ليس ضمانة بعودة الوفد، فالوفد الذي احتجزه التحالف طوال ثلاثة أشهر في مسقط كان قد سافر من صنعاء بطائرة عمانية. ما فعله وفدنا الوطني اليوم كان ضرورياً لأنه: 
1 - تأكيد على الصفة الديبلوماسية للوفد دون انتقاص لأي من مقتضيات هذه الصفة وحصانتها التي كفلتها المواثيق والأعراف الدولية كاملة وبما يضمن التمثيل اللائق للطرف الذي تمثله في هذه المفاوضات.
2 - رد اعتبار لسلطنة عمان الشقيقة والدور الإنساني والقومي النبيل الذي تقوم به منذ بداية الحرب وتعبير عملي عن رفضنا المطلق لكل ما يسيء إليها، وفي مقدمتها فرية تهريب السلاح التي اخترعها تحالف العدوان لتبرير منع الطائرات السلطانية من الاستمرار في تقديم خدماتها الجليلة للشعب اليمني.
3 - إن استمرار الحصار وإغلاق مطار صنعاء ليس موضوعاً للتفاوض، وإنما هو عقبة أمام أي تفاوض.
لم تتأخر مفاوضات جنيف كالعادة وإنما بدأت قبل موعدها بيوم وبطريقة صحيحة وموفقة.

أترك تعليقاً

التعليقات