مصداق القيام لله
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لم تعط أي رؤية فلسفية أو نظرية اجتماعية مساحةً للعدل بالقدر الذي يجعلها تقترب إلى حدٍ ما مع المساحة التي يعطيها له الإسلام، فالعدل هو شعار الإسلام، بل إن الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب هي إقامة العدل بمفهومه الشامل لجميع مجالات الحياة وسائر شؤون الإنسان وأحواله، ونحن هنا لا نريد أن نعمل على بخس الناس من غير المسلمين جهودهم في إيجاد قواعد لإرساء العدالة الإنسانية التي هي بلا أدنى شك لاتزال نسبية على الأغلب، ومحكومة بالمصالح الاقتصادية والسياسية بين القوى الكبرى، ولكننا نريد أن نُلفت انتباه بعضنا كمسلمين وكيمنيين، هويتنا إيمانية، وواقعنا المعاش زمانياً ومكانياً قائمٌ على أساس الاعتماد للقرآن الكريم، فهو النظام الذي لا بد من التزامه في توجهنا العملي سياسياً واجتماعياً وفكرياً وتربوياً واقتصادياً وغير ذلك إلى هذه القيمة العظيمة، التي أراد لها الله سبحانه وتعالى أن تتركز في الوعي من أجل إيجاد البنية السليمة للشخصية المسلمة، لذلك يلمس المتتبع للقرآن كيفية تقديمه للعدل وبيانه لأهميته في آيات كثيرة وضمن أساليب متنوعة، بهدف إزالة كل ما قد يحول بين الشخصية المسلمة وبين الاستقامة في طريقها السالك إلى الله جل في علاه، وتخليصها من كل الدوافع والمشاعر التي تسبب الضلال والانحراف.
ولأن القرآن «منهاجٌ عملي» كما يعبر عن ذلك الشهيد القائد (رضوان الله عليه)، فقد حدد لنا المبدأ الأساس الذي لن نصل إلى مرحلة تحقيق العدل في واقعنا إلا إذا التزمنا هذا المبدأ، إنه مبدأ القيام لله، أي أن تكون توجهاتنا ودوافعنا في العمل ومواقفنا وعلاقاتنا وكل حياتنا مبنيةً على الاستجابة لله، ومنفتحةً على هداه، ومجسدة للغاية التي نرجوها منه وهي نيل رضاه، إن القيام لله في ما تدل عليه كلمة القيام يعني: الاقتراب من الله والابتعاد عما سواه، من هنا يتحقق للإنسان الإيمان الحقيقي بالله، والذي لن يتحقق إلا من خلال الإطار العملي الذي يتحول من خلاله ذلك الإيمان إلى واقع، إذ لا صحة لادعاء أيٍ منا أنه قائم لله، عامل في سبيله، مستشعر معيته له، ما لم يقدم شهادته بذلك عن طريق حرصه وتفانيه في العمل لإقامة العدل.
العدل الذي لا يفرق بين عدو وصديق، ولا يخضع لنوازع النفس ومشاعرها حباً أو بغضاً، وإنما يحكم لصاحب الحق باعتبار ما له، فهو لا يشهد إلا بالحق، وإذا حكم فلا يحكم بالباطل، لأن العدل في عقيدته هو الخط الذي يتصل بتقوى الله التي تفرض عليه استشعار رقابته عليه في كل تصرفاته كحقيقة إيمانية تقوم بضبط المسار العملي، وتحدد له الخطوط التي يسير عليها فلا يتجاوزها مهما كانت الظروف، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون».

أترك تعليقاً

التعليقات