معرفة تاريخنا ضرورة لا ترفا
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لطالما أثار الآخرون الكثير من التساؤلات تجاه مساعينا الحثيثة كشعبٍ يمنيٍ مسلمٍ يحرص على استعادة الذكريات الدينية ويعمل على إحيائها كمناسبات تعود عليه بالمنافع الجمة، وتمكنه من جني الفوائد التي لا حصر لها، ومن تلك التساؤلات قولهم:
لماذا تلحون على استثارة الذكريات التاريخية التي لها علاقة برموز وشخصيات معينة؟ ثم يضيفون إلى ذلك تساؤلاً آخر، وهو لماذا لا نكتفي بدراسة الحياة التي نعيشها في الحاضر؟ وهي لا شك حياةٌ مليئةٌ بالأحداث وزاخرةٌ بالتجارب التي تغني الفكر عن العودة إلى الماضي واستيحاء الأفكار من خلاله، لاسيما وإنسان العصر يختط في كل يومٍ تاريخاً جديداً، ومتنوعاً بتنوع الأهداف والدوافع والرغبات والاتجاهات التي تختلف من شخص لآخر، إذ سنجد مَن يبذلون كل ما بوسعهم من جهد وإمكانات، ويسخرون كل ما لديهم من قدرات لصنع تاريخ الظلم والألم والمأساة، وهناك من يضحون بأنفسهم وبكل ما يتعلق بحياتهم ويرتبط بوجودهم فقط ليصنعوا تاريخاً مشتملاً على كل مقتضيات حصول السعادة والأمن وتحقيق العدل وبناء الحياة بناءً قوياً متماسكاً وسليماً، وهكذا يصبح الحديث عن الذكريات الدينية والقضايا التاريخية من وجهة نظر هؤلاء هروبا من قضايا الحاضر والمستقبل إلى الماضي، الذي يستغرق أصحابه فيه إلى الحد الذي يلغي وجودهم تماماً من واقع الحاضر ويعزلهم عن كل حركة للحياة فيه، وقد يقنعون بهكذا طرح الكثير من الناس وحتى أولئك المحسوبين على الفكر والثقافة والبحث الإنساني والمعرفي، لأن طبيعة وعينا بقيمة التاريخ لاتزال قاصرة جداً، وذاك ما نلمسه من كيفية الإحياء لكثير من الذكريات، من حيث نوعية الأسلوب ومضامين الحديث، أو من حيث الاكتفاء بذكر تلك القضايا التاريخية والحديث عن أشخاصها ورموزها بشيء مما يشبه السرد القصصي، دون المحاولة حتى وإن بشكل بسيط لاستيحاء تلك القيم والمواقف والبطولات والتضحيات كي نغني تجربتنا في الحاضر بكل المقومات التي تشد العزيمة وتصنع القوة، وتحقق لنا الثبات وتنمي وتبني الإرادة الصلبة.
من هنا كان لزاماً علينا أن نعرف أن علاقتنا بالتاريخ الذي يحتوي في حناياه وبين طياته الكثير من النماذج العظيمة والعناصر الحية والصور المشرقة والرائعة، هي علاقة الفرع بالأصل والجذور، التي يجب تعميقها في كياننا على أساس من الحق كي نتمكن من مواجهة كل التحديات وخوض كل الصراعات بالمستوى الذي يضمن لنا بقاء شخصيتنا المستقلة، التي تمتلك من القوة ما يجعلها عصيةً على الاستئصال، غير قابلة للذوبان والتماهي مع الآخرين والتبني لفكرهم والاندماج معهم، سواءً أكان ذلك منطلقاً من صراع الأمم والحضارات، أو من تلاقيهما وحواراتهما، لأن الجذور الضاربة في أعماق الأرض كفيلةٌ بإيجاد ما يلزم من التماسك والثبات لمجتمعنا بما يمكنه من الوقوف بوجه كل العواصف المدمرة والرياح الهوجاء مهما كانت قوتها.
كما أن العودة إلى التاريخ يجب ألا تكون مبنية على أساس العادات والتقاليد الجامدة التي لا تعطي الحياة الجديدة شيئاً من تجربة الماضي لإثراء تجربة الحاضر، بحيث تصبح الغاية من تذكر التاريخ هي العودة إلى الماضي بغرض التجمد عنده والتغني بمزاياه فقط لا غير،  بل يجب أن تكون هي البنية التي لا تفصل بين زمنين، لكونها قصة إنسان الماضي الذي صنعها، وزاد إنسان الحاضر الذي هو بأمس الحاجة إليها، وخصوصاً عندما ندرك أننا في زمنٍ طغت فيه الماديات وبات الإنسان يبحث عن مثله الأعلى في ما تقدمه الأفلام والمسلسلات المشبعة بالجريمة والسقوط الأخلاقي، لذلك علينا تقديم المثل الأعلى لإنسان عصرنا من خلال التاريخ، بما اشتمل عليه من شخصيات جمعت بين طياتها إنسانية الإنسان وطهارة وسمو الملائكة، ثم إن الحق لا يؤرخ لأنه القيمة التي تعطي الزمن معناه، ولأنه يمنح دارسيه الوعي بالخط الذي لا بد من السير عليه، ويوضح لهم الرسالة التي يجب أن يلتزموها، ويعرفهم بشخصيات القدوات الرسالية التي يجب الاقتفاء لأثرها والاقتداء بها من رسل وهداة وأعلام

أترك تعليقاً

التعليقات