مصاديق الانتماء لدين الله
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
وضع الله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز: المحددات والضوابط والشروط التي تقدم للإنسان المسلم التصور الكامل الذي يبين معنى الانتماء للدين، نجد ذلك في أكثر من آية تناولت هذا البعد بكثير من الشرح والتفصيل، إلى جانب حثها على التزام الكيفية العملية التي يتأكد من خلالها الانتماء واقعاً، وحقيقةً لا ادعاءً، وكذلك فإن تلك الآيات لا تكتفي ببيان الخطوط العامة بهذا الخصوص، بل إنها تقوم برسم الخطة الدقيقة أمام مَن يريد الوصول إلى مقام الصدق في الانتماء وتحدد له من أين يبدأ، وأين يقف، وكيف يتجه.
ولعل أول نقطةٍ يؤكد عليها القرآن في قضية الانتماء هي: أن الانتماء لدين الله ليس امتيازاً ذاتياً، بحيث يكتفي الفرد بإعلان الانتساب إليه، والتزام الجوانب الموحية بالتزامه الظاهري به في حركته في الحياة على مستوى الشكل، ومن ثم فإن عليه أن يفعل ما يشاء في شؤونه الخاصة، وتوجهه المجتمعي العام، فله الحرية في كل شيء، باعتبار أن كل شيء مباح له، بل إن الانتماء لدين الله، هو التزامٌ في الفكر، وانطلاقةٌ في الحركة العملية، والتزامٌ في السلوك، وخطٌ للسير، لا يقبل التعرج والميل والانحراف، الأمر الذي يحتم على المنتمين ألا يستسلموا للأماني التي تسيطر على الذهن، وتنفخ الذات، وتجعلهم يعيشون وهم الانتظار لحصولهم على النتائج الجيدة على مستوى الدنيا والآخرة، بمعزل عن العمل بالاتجاه الذي يحقق تلك النتائج التي يرجونها، وعليه فقد كان لزاماً عليهم العمل بالخطط والبرامج التي تضمنتها الرسالة الإلهية في تعاليمها وحركتها، لكي يقيموا الحياة كلها على أساسها، ويتحقق لهم شرط خلافة الله على هذه الدنيا، بما يبذلونه من جهد لبناء الحياة، بدءًا باهتمامهم في بناء نفوسهم، ثم اتجاههم لبناء نفوس مجتمعهم وأمتهم، وصولاً لقيامهم بمسؤوليتهم كاملة كأفراد، وكمجتمع، وإذا لم يتحقق ذلك، فإنه دليل على انعدام الصدق في الإيمان، وسبب كافٍ لخسارة الدنيا والآخرة.
النقطة الثانية: أن على المنتمين ألا يخضعوا في تقييمهم للعلاقات الإيمانية لمجرد الانتماء إلى الدين، بل يجب الانطلاق من العمل كأساس للتقييم، إذ إن العمل وحده هو: الصفة الحقيقية للانتماء، وهكذا نعرف: أن قيمة الانتماء للدين تتمثل بالإخلاص العملي له، وذلك بالتزام طريق العدل، وصون الأمانة، وعدم الدفاع عن الخائنين، وعدم اتهام الناس بالباطل، لتبرئة ساحة الفاسدين والظالمين، وتقوية موقف العاجزين والمقصرين.
وهكذا يرفض القرآن الكريم الأساليب التي تستعملها التيارات والطوائف في المجتمعات التعددية، بغية حماية المجرمين والخونة، المنتسبين إليها، ولو أدى ذلك للدخول في مواجهة مفتوحة مع المظلومين والأبرياء، على أساس أن الانتماء قد جعل لأولئك قيمة دينية، وقداسة ذاتية، ومكانة سياسية، تستوجب منع الاقتصاص منهم، ودفع عدوانهم عن الناس الآخرين، باعتبار أن تلك الأساليب منطبعة بطابع الجاهلية، وذات آثار تدميرية للواقع كله، إذ يبقى المظلوم في حالة عجز دائم، واستسلام متواصل للظلم، ليقينه أن مطالبته بالحق، وبحثه عن الإنصاف، مدخلٌ لفتح أبواب جهنم عليه، من قبل الجهة أو الحزب أو الحركة التي ينتمي إليها الظالم، أو المجرم.

أترك تعليقاً

التعليقات