آليات لصناعة الوعي
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
كان الإمام علي عليه السلام واضحاً في صناعة وعي الجمهور، ولم يترك ثغرةً في أي قضية من القضايا التي من شأنها أن تتسلل من خلالها العوامل المحدثة لحصول اللبس في وعي الجماهير، الذي متى ما سطا على العقول أفقدها القدرة على إمازة الحق من الباطل. فحينما أتاه رجلٌ من المسلمين في حرب الجمل في حيرة من أمره يسأله أي جبهة هي على حق؛ جبهة علي أم عائشة؟
وبالرغم من أن الأمير عليه السلام هو الحق بإقرار النبي ص الذي قال الحق مع علي يدور أينما دار ، إلا أن عليا ع لعلمه بابتعاد المسلمين عن عصر التشريع، وتراكم الانحراف في الوعي العام تراكما كميا وكيفيا، أجابه إجابة تأسيسية، بالرغم من أن الظرف كان ظرف حرب وعسكر ويحتاج فيه كل عنصر وفرد وعادة في الحروب يكون التوجيه عسكريا يغلب عليه التحيز والتعصب، لكسب أكبر قدر ممكن من  الجنود، ولصناعة وعي خاص يصب في صالح صاحب المعركة وحزبه وتوجهاته، ويتم صناعة تحيزات وتعصبات ترجح كفة جبهته بل في لحظات الحرب يتم توجيه الوعي توجيها عصبويا تحيزيا، لكن كانت إجابة علي ع تدل واقعا على المنهج الإصلاحي وآليات صناعة الوعي في عقول الجمهور بعيداً عن العسكرة والتحيزات والعصبيات، للأخذ بهم إلى جادة الحق وتحقيق الهدف الرسالي، فقال له: اعرف الحق تعرف أهله، حيث نستشف منهجا في كيفية تعاطي القيادة مع المحيط، ولعل من أبرز معالم هذا المنهج العلوي هي:
- استنهاض العقول في البحث عن الحق لا عن الأشخاص، وتظهير وعي المحيط بتطوير قدراته العقلية والبحثية.
- محاولة التخلص من القبليات العصبية كافة كي يتجه العقل بشكل موضوعي باحثا عن الحق لا عن القبيلة والمذهب.
- الحاجة للاتباع الواعي لا الارتباط الحراري، فقوله اعرف ولم يقل اعلم يدل على أن المطلوب هو معرفة للحق واعية، أي ليس فقط العلم به بل سلوك طريقه ومنهجه والالتزام بجادته على طول الخط الرسالي.
فكثر في محيطنا يعلمون بالحق، لكنها مجرد معلومات لم تدفعهم للتطبيق والإقرار السلوكي والعملي.
رغم أن الظرف الذي طرح به السؤال هو ظرف حرب، إلا أن الأمير ع قدم نموذجا للقيادة المنضبطة بجادة الحق والقيادة الموضوعية غير الشخصانية القادرة على تأسيس استراتيجيات للفعل ومناهج للتفكير وليس انفعالات آنية غير مدروسة تحت ضغط الظروف المحيطة.

أترك تعليقاً

التعليقات