وقفة مع خطاب سيد الموحدين
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أطلعنا في المساحة السابقة كتاب (الرحمن اللّغز الأكبر) للباحث نشوان دماج، على مراسيم احتفاء الرحمانيين اليمانيين بعيد الاستقلال ودحر الاحتلال الحبشي المنوفيزي من هذه البلدة الطيبة، وقد كان أهم ما في هذا المشهد هو: مقدم وفد التهنئة المضري، بقيادة زعيم مضر، وسيد الموحدين حينها، عبدالمطلب بن هاشم، جد المصطفى (ص) الذي سنقف اليوم على أبرز ما جاء في كلمته في مقام الملك أبرهة الحميري، فهو المستحق للشرف هذا، لا ذلك الوهم سيف، الذي كلما أمعنا النظر في تلك الروايات التي وضعها المنوفيزيون حين اختلقوا سيف هذا؛ وجدناها طافحة بالإهانات لا تجعل من سيف رأس العرب الذي به تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد، وربيعها الذي تخصب منه البلاد.
لم يكن انتصار اليمانيين بقيادة أبرهة مقتصرا على دحر محتل حبشي منوفيزي من مساحة جغرافية محدودة اسمها اليمن، بل كان بداية لتحرير شبه الجزيرة من نفوذ حلف طويل عريض، رأسه روما، ويداه ورجلاه الحبشة، وعموده الفقري كنيسة بولس، وذيله وجواربه أمية ومخزوم وغسان وأشاعرة وسواهم، نصر رفع يد حلف الشر هذا عن تدنيس المقدس، والنيل من بيت الله، وأعاد الاعتبار للموحدين، ذاك ما نستشفه من عبارة «أشخصنا إليك أيها الملك، الذي أبهجنا من ذكر ما سرنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، والغم الذي أقلقنا والهم الذي أكربنا»، التي تعبر عن آثار هذا النصر ونتائجه على كامل جغرافية شبه جزيرة العرب، إلى جانب بيان أن المنوفيزية الحبشية كانت قد عاثت في اليمن والحجاز على حد سواء، بحيث عاش الموحدون فترة عصيبة في تلك الأثناء.
هذا هو موقع هذه الخطبة لعبدالمطلب، والمعني بها هو الملك الحميري أبرهة، لا سيف الوهم، والغريب هو ما يقوم به أولئك الذين يربطونها بحادثة سورة الفيل، وذلك لأن كشف الكرب هنا أحيل إلى الملك وليس إلى الله، وهذا ضرب للسورة نفسها التي تتحدث عن تدخل إلهي لجعل ذلك الكيد في تضليل. فكيف لم يتنبهوا لكل هذه السقطات؟
إن كلام عبدالمطلب إذا ما ربطناه بذلك الشعر الذي رووه عنه عند الكعبة، يجعل من هدم قريش للكعبة بزعامة الوليد بن المغيرة، كما سبق أن بينا في شهر رمضان المبارك؛ لإعادة بنائها ككنيسة هو الحدث الذي مثل وجوده خطبا جللا، وكربا فادحا على عبدالمطلب وسائر الموحدين.
هذه هي الحقيقة، وإلا ما معنى أنه عندما أراد أبرهة بزعمهم هدم الكعبة ضجت السماء وتدخلت، وعندما هدمها الوليد بن المغيرة وأراد تكنيسها على يد فريق رومي برئاسة باقوم لا يحدث شيء؟! وما معنى أن يهدمها الحجاج فيما بعد؟!
وإذا كان كلام عبدالمطلب عن الخطب الفادح بأنه محاولة أبرهة هدم الكعبة بواسطة فيله، فأي كرب أصلاً قد فدحهم، وقد كفى الله قريش الدفاع عن كعبتهم؟! ولماذا سيحمد سيف هذا بما لم يفعل؟! وكم كان قد انقضى من زمن منذ تلك الحادثة حتى يجيء إلى ذكرها الآن ويجعل منها سببا في مجيئه هو ووفده للتهنئة؟!
ألا تقول الروايات بأن أبرهة مات حتف أنفه بعد تلك الحادثة، وخلفه من بعده عدد من أبنائه بينهم يكسوم ومسروق ليستمر حكمهم طويلاً؟ وأن هذا الأخير كان أخا لسيف من أمه التي نزا عليها أبرهة وأخذها غصباً من ذي يزن والد سيف؟
إن سيف هذا هو: الشخصية التي تم اختلاقها من قبل هذا الحلف، لا لشيء إلا للإمعان بالنيل من شرف اليمنيين، والإهانة لتاريخهم، والحط من كرامتهم، وسلب أبرهة الحميري شرف القيام بهكذا نصر، وصنع هكذا تحول! إذ بوجود سيف هذا بات التحرر من الحبشة، واستعادة اليمن ذاتاً وعقيدة، كدولة لها ثقلها السياسي والعسكري الممتد في كل جزيرة العرب، أمراً لا يستحق الذكر.

أترك تعليقاً

التعليقات