مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
من الواضح تماماً أنّ حقوق الإنسان، بلحاظ طبيعتها الإنسانية، لا يمكن أن تتغيَّر من زمن إلى زمن أو من منطقة إلى منطقة؛ وذلك أنَّ مستوى حقوق الإنسان، من الناحية القانونية، أرفع من مستوى القوانين التي تتحرّك من زمنٍ إلى زمنٍ أو مكان إلى آخر؛ حيث إن حقوق الإنسان هي الأساس لها وليس العكس.
هذا فيما إذا كانت هذه الحقوق والقوانين تتعلق بعناوين محدودةٍ وكلّيةٍ جداً، وأمّا الدخول في تفاصيل هذه الحقوق فإنه يفقدها إمكانية التعميم والشمولية على مجتمع واحد أحياناً، فما بالك بالمجتمع الدولي؟! ذلك لأنّ الأنظمة المتعددة في أرجاء العالم، حول التربية، الاقتصاد، السياسة، الثقافة... وغيرها من أسس المجتمعات، تتشكّل بأشكال وأنماط مختلفة، وتبعاً لها تتأطر حقوق الإنسان بأطرٍ وأنساقٍ متفاوتة، ما يجعل من الصعب جداً أن تنجح المحاولات الرامية إلى فرضها على الآخر المختلف، فكراً وثقافة وسياسة واجتماعاً... وإنَّ هذا الموضوع بالذات يعدّ إشكالية كبيرة جداً على مستوى العلاقات الدولية. ومعضلة بهذا الحجم، وخاصةً عندما تحدث إرباكاً على مستوى الثقافة والقيم، لا يمكن أن تمرَّ بسهولة، ولا تكفي القدرة السياسية، أو السلطة الدولية حتى، لتجاوز مشكلة بهذا الحجم.
إنَّ السعي المطّرد من قبل المؤسّسات الدولية التي تحاول تصدير قيم وحقوق خاصة، طبقاً لفهم خاص منسجم مع رؤية إنسانية وكونية خاصة، بفرض القوة على الآخرين، مستغلّةً ضعفهم وتخلفهم الاقتصادي والاجتماعي، قد أربك الساحة الدولية، وهو ينذر بنشوب صراعات بل وصدامات أشدّ وأشرس بكثير مما هو جارٍ الآن.
إنّ المعايير المعتمدة في الغرب، لرسم حدود القيم الإنسانية ومفاهيم الحضارة، تصطدم في أكثر الأحيان بتركيبة المجتمعات الإسلامية، بل غير الغربية كافة. وتصعّد حركة المقاومة والممانعة في وجه هذا الغزو والهجوم الهادف إلى هيمنة وسيطرة ثقافية وإعلامية وسياسية عليها؛ هذا لأن الموازين والمعايير الغربية لا تصلح لتكون الأساس في صياغة حقوق الإنسان العالمية من جهة، ولأنَّ ما يروِّج له الإعلام الغربي، وتسعى السلطة الدولية لفرضه على دول العالم الثالث، غير مدعوم بنوايا حسنة وأهداف نظيفة، وإنّما لأجل بسط السيطرة، واستغلال الخيرات، ونهب الثروات، وفتح الأسواق، وفرض المنتجات الغربية. وحقوق الإنسان ليست أكثر من أداة ووسيلة أو ذريعة لتحقيق ذلك. وإن الواقع العالمي لا يثبت صدقية المحاولات الغربية في ما تروّج له من مزاعم، بل العكس هو الثابت، ومن هنا صارت الشعوب المستضعفة تعاني من مشكلتين في آنٍ واحد: تسلط حكام الجور، وتعسف الدول الكبرى في فرض مفاهيمها وقيمها.

أترك تعليقاً

التعليقات