26 سبتمبر صنمٌ عُمري بقميص عُثماني
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لن نتمكن من التوصل لبناء الشخصية اليمنية القوية القادرة، الواعية المستبصرة، الحرة المستقيمة، الثابتة الفعالة، المعتزة بتاريخها وفكرها وثقافتها وتراثها، والمرتبطة بهويتها الإيمانية التي تخلق في الفكر والوجدان والنظرة إلى الأمور كلها التوازن التام، الذي لا يسمح بأن يطغى الخاص على العام، أو الفرع على الأصل، بحيث لا تصبح الميزات والخصائص المحلية التي تمتاز بها الشخصية اليمنية عن سواها من الشخصيات التي تنتمي لقوميات وثقافات وأعراق أخرى عامل انغلاق وتقوقع، ومدعاة للاستعلاء والفوقية، ومسوغا للصنمية وعبادة الذات، وإنما تكون باعثا على التعارف والتكامل بين هذه الشخصية المجتمعية والمجتمعات الأخرى التي هي جزء لا يتجزأ من كيان الأمة المحمدية، وفق المعايير الإلهية، إلا متى ما امتلكنا الجراءة الكافية للبدء بتناول كل تاريخنا بالبحث والدراسة الشاملة، ولاسيما ما يتعلق بتاريخ اليمن الحديث والمعاصر، الذي فيه ما فيه من الخلط والتزييف والتحريف والبتر والإخفاء والزيادة والنقصان، إلى الحد الذي بتنا نعايش هذا التشوه المبثوث في كتب التاريخ الحديث من خلال انعكاسه على الشخصيات المتعلمة والمثقفة، وبالذات أولئك الذين جاءت ثورة الـ21 من أيلول/ سبتمبر وقد أصبحوا في مرحلة الثانوية العامة أو الجامعية، والذين خضعوا لتلقين فكري إخونجي، وبناء عقائدي وهابي تكفيري في مراحل متقدمة من العمر، كل ذلك مع العمل على تطويع وإخضاع هؤلاء المتلقين لتقبل ثقافة بعينها، هذه الثقافة تقوم بزرع القداسة في نفوس التلاميذ لأشخاص وأحزاب وأيام ومناسبات وأفكار وآداب وفنون محددة، يعد الخروج عنها أو الإتيان بما يخالفها جريمة وتعدياً على اليمن الحضارة والتاريخ والأرض والإنسان، ولن تستطيع إقناع مثل هكذا فئات بعظمة وأهمية وقيمة كل ثورة أو تضحية أو فكر أو قيادة أو شعار في الوقت الحاضر، لأنها لا تمتلك المقومات التي تؤهلها للحوار الفكري، والنقاش الموضوعي، وبالتالي فليس بإمكانها القبول بشيء أو رفضه بناءً على أساس معرفي واستنتاج دقيق، لكونها عبارة عن أداة بيد الآخرين الذين هم مَن يفكر بالنيابة عنها، ويعنى بالاختيار لها في كل شيء، إذ إن التعليم كان على مدى عقود من الزمن من أجل التجهيل والتعتيم والتسطيح والتدجين والتعمية والتبعية الفكرية لأركان النظام القائم حينها فقط لا غير.
من هنا ندرك أن طبقة الاستبداد المترفة الإقطاعية العميلة من خونج الأحمر وخبز وعجين عفاش عمدت إلى تغليف مساعيها في البقاء والسيطرة على الحكم وكافة مقدرات وثروات هذا الشعب بأغلفة وشعارات وطنية مزيفة، استغلت جهل المجتمع بتاريخه النضالي، فقدمت نفسها أنها الامتداد الطبيعي لسبتمبر 62، وأكتوبر 63، وكل الثورات، مع التركيز على إخفاء كل ما صاحب ثورة 26 سبتمبر من أخطاء وانحرافات، وصولاً إلى مرحلة السقوط التام بيد الرجعية المحلية والإقليمية، وتسليمها مصير الشعب للقوى الاستعمارية الغربية، وبالتالي ساد الظلم، وعم الفقر، وتم إفراغ السياسة والجوانب العسكرية والاجتماعية من كل ما يوحي بوجود أشياء تعبر عن عقيدة أو قيم أو أخلاق، ليصير الوطن بجمهوريته وثورته وجيشه وتاريخه وكل ما فيه حقاً للعفافيش والخونج، لذلك فهم الجمهوريون وإن باتوا في أحضان الملكية السعودية، والمحررون للأرض وإن أصبحوا القوادين لدى المحتل والأدوات الخادمة لكل قوى الاستعمار، والعجيب أن هذا كله لا يدفع أتباعهم للتساؤل: كيف لمَن أسلم وجهه للأمريكي والسعودي والبريطاني والصهيوني أن يقول بأنه يدافع عن اليمن الجمهوري؟
والخلاصة، لن يستطيع جيل اليوم إدراك الفوارق الكثيرة بين الخائن والوطني، وبين الأصيل والدخيل، وبين المصلح والمفسد، ما لم يستطع معرفة حقيقة 26 سبتمبر 62، بسلبياتها وإيجابياتها، وبكل ما صاحبها من قضايا وأحداث، وكل ما اعتراها من شوائب وانحرافات، وكل نتاجاتها وكيف غيرت الواقع، وقوضت كل مظاهر الأخوة المجتمعية، وهذا بالطبع يحتاج إلى رجال يعون أن هذه الثورة باتت ملكا للتاريخ، وعلى الشعب أن يتعرف عليها من كل النواحي، لكي لا يستغل الخونة جهل الشعب بها، فيجعلوها صنماً عُمرياً أو قميصاً عُثمانياً.

أترك تعليقاً

التعليقات