الفرقة الناجية بيت الداء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا يختلف عاقلان أن حاجة الإنسان للدين ضرورة لا تستقيم الحياة بدونها، بل إن تدين الإنسان فطري، إلا أن تجليات هذا التدين وهذا الدين هي محل قراءات كثيرة في عصرنا تمايزت بين الإفراط والتفريط وبين التعصب والتساهل، ولم يجد الخطاب الديني المعتدل له محل في صياغات العقل الجماهيري، الذي استطاع الإعلام أن يرسم له خيارات مسبقة ويصنع له قناعات متطرفة تصب في الهدف الاستراتيجي للسياسات العالمية المهيمنة على العقل البشري وساحة الفعل لديه.
لقد كان أيضا لكثير من الخطابات الدينية دور فاعل في إعادة إحياء نزعات كثيرة هي مصاديق للتعصب الذي حذرت منه كثير من الروايات الواردة بعدة طرق معتبرة لدى المسلمين كافة، بل التعصب منبوذ عقلا لدى كل الأديان.
إن الممارسات التاريخية للسلطات المتعاقبة عبر التاريخ سواء لدى المسلمين أو الديانات الأخرى مارست دورا فاعلا في إذكاء حالة التطرف من خلال التمييز والإقصاء الذي مارسته ضد المختلف معها عقديا أو سياسيا، حيث تحالفت كثير من هذه الأنظمة عبر التاريخ مع السلطة الدينية كي تشرعن ممارستها فتحظى بالتفاف شعبي إذ كرست مقولة الناس على دين ملوكهم، ثقافة الخنوع والتبعية والتعصب، الأمر الذي خلق ردات فعل لدى المستهدفين تتمايز بين الشدة والضعف، ولكن يغلب على معظمها طابع التعصب والانفعال وينمي حالة الانتقام بل يعمق حالة الانكفاء على الذات لدى المستهدفين ويعمق الهوة بين أبناء الأرض الواحدة، لتصبح الطائفة والمذهب والقبيلة هي المأوى وليس الدولة والقانون والشرعية الإلهية كما هي، وليس كما يراد لها من صياغات تخدم السلطان وتدعم نفوذه وتشرعن وجوده وآليات حكمه.
إن علينا ألا نبقى أسرى التاريخ فنستحضر الماضي لتشويه الحاضر وهدم المستقبل، بل يجب علينا الاعتبار من التاريخ وتحويل الثغرات والسلبيات إلى محطات إيجابية نعتبر منها ونعالجها لتصنع حاضرا مختلفا يناسب لحظة الراهن ويحاول قراءة ذلك التاريخ بأدوات العصر العقلية والمعرفية، ليتجاوز الماضي بتفاعلات الحاضر الراهن ويتجاوز الانفعال إلى الفعل والإنجاز والتقدم.
إن إحدى أهم إشكاليات الخطاب الديني الراهن هي إشكالية الفرقة الناجية التي تستبطن مفردة امتلاك الحقيقة، حيث تعد من الإشكاليات العوائقية الواقعية الموغلة في بناء الحواجز النفسية قبل الدينية، إذ مجرد ادعاء امتلاك الحقيقة يفضي في الذهنية العامة ادعاء كون ممتلكها مصداقا للفرقة الناجية، وهو ما يبني تراكميا حواجز نفسية مع المختلف ويغلق آفاق الانفتاح عليه والتعايش معه بل والاستفادة من تجربته المعرفية والفكرية والتي دعت لها الآية الكريمة «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
ومن هنا يجب السعي لتفكيك الخطاب الديني والبنية الفكرية ومعالجة أوجه الخلل وفق معطيات الراهن وإشكاليات الحاضر، وحاجة الإنسان كفرد وحاجة الأمة كمجتمعات في إعادة فهم النصوص الدينية وإعادة بناء خطاب ناضج وقادر على تلبية حاجة الإنسان والدول في الاستقرار الاجتماعي والأمن في بنية العقل العربي والإسلامي.

أترك تعليقاً

التعليقات