التنظير للعجز
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
يحاول المفلسفون والمنظرون للثقافة المراوحة في ذات المكان، والعمل الخاضع للروتين والمزاجية، دونما سعيٍ لتحركٍ جاد، لا يكتفي بتقديم كل ما هو ممكن، وإنما يعمل على صنع كل ما هو مستحيل، من منطلق ما يجب أن ينتقل من دائرة الوعي والمعرفة العقلية والذهنية، لكل تلك المفاهيم والمبادئ والنظم والتوجهات السياسية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها من الأسس التي قامت عليها ثورتنا.. بالمستوى الذي يقدم المنهجية الشاملة لتحركنا الثوري والتغييري، إلى دائرة التطبيق والممارسة، وذلك من خلال القول: إن الذين يرفعون أصواتهم ويطلقون العنان لأقلامهم من أجل تحسين وضع ما، أو تقويم اعوجاج أو التنبيه على حصول انحراف بسيط أو وجود مخالفة جسيمة للمنهج وانقلاب معين على شيء من الثوابت والقيم التي نسير عليها، ليسوا سوى امتداد لظاهرة تاريخية جرت عليها العادة لدى تلك المجتمعات التي قابلت الأنبياء والرسل والأئمة والأولياء والمصلحين عبر الزمن بكل ما يساعد على الإرباك للواقع، ويتسبب بحدوث التفكك والتمزق نتيجة ما تحدثه أطروحات هؤلاء المنتقدين من بلبلة وتخلخل للنظام العام، الأمر الذي يؤدي -حسب زعم منظرينا الفضلاء- في نهاية المطاف إلى تعدد الرايات والتوجهات والاهتمامات والأولويات، داخل النسيج المجتمعي الذي يفترض به أن يكون موحداً على مستوى الشكل والمضمون، نتيجة ما يحظى به من مؤهلات وميزات وخصائص سواء ما يتعلق بالقيادة أو بالمنهج والدور والخط، وقد يستثير بعضهم كوامن الانفعال والحماس الزائد الراقدة في قعر أنفسهم، فيبادرون بالقول: إن هذه التوجهات هي توجهات بني إسرائيل، الذين صبروا على ظلم وأذى فرعون لهم، ولم يصبروا على طعام واحد مع نبيٍ من أنبيائهم، وواجهوا كل مساعي الأنبياء بالتثاقل واللامبالاة وبالاستهتار والعبث.
والآن وبعد كل ما سبق لا بد لنا من تسجيل ملاحظاتنا على أولئك المنظرين في نقطتين كما يلي:
أولاً: إن المساواة لكل من ينتقدون بموضوعية ويتحدثون بحق ببني إسرائيل غير موفقة، بل هي الظلم عينه، لأن اعتراضات بني إسرائيل كانت تسير في المسار الذي يمكن أصحابها من الانقلاب على الأعقاب والتمرد على الله وعلى أنبيائه، والتحريف للنهج الذي ارتضاه لهم سبحانه، بينما معظم من يتحدث اليوم عن خلل أو ينتقد ظاهرة، أو يبين قضية، أو يتحدث عن مظلومية، هو ينطلق من خلال الحث على التمسك بالنهج والتمثل الحقيقي للقيادة الثورية كقدوة في كل شيء.
ثانياً: إن السكوت عن الأخطاء والمخالفات والانحرافات، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، لا يصنع مجتمعاً موحداً على الإطلاق، وإنما يصنع مجتمعاً قابلاً للضلالة والخسران، لكون بقاء أي سلبية على حالها دونما بذل أدنى محاولة في كشف أسبابها وتقديم المعالجات اللازمة لاستئصالها، مدعاة لتشكل بيئة حاضنة للفساد والباطل.

أترك تعليقاً

التعليقات