ولكن أيُّ قلم؟!
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
إن العمود الفقري لأي حركة نهضوية، جاءت من بين الناس، فكبرت بهم، كما سموا من خلالها بعد أن ذابوا فيها وذابت فيهم إلى الحد الذي جعلها تجسد وعيها بهم ثورةً تغييرية للواقع، كما تجلى وعيهم بها بذلاً يبدأ بالكلمة فالمال، وينتهي بالأنفس معمداً بالدم وثيقة التجدد والاستمرارية على درب الثورة حتى التحقيق لكل هدف حملته على عاتقها حين انطلقت، وعاهدت جماهيرها على تحقيقه في السر والعلن هو: القلم! ولكن؛ أي قلم؟
هل هو القلم المنتمي خوفاً أو طمعاً؟ لا وألف لا. إذن؛ هو القلم المطلق لنفسه العنان في ساحة الدفاع عن الثورة بدافع عصبوي تحت راية القبيلة أو المذهب أو المنطقة؟ لا طبعاً. وليس القلم الذي يقع بين أصابع موظف في جهة ما، لا يتعدى دوره دور الأداة التي لا تعمل إلا وفق الحدود المرسومة لها مسبقاً من قبل مشغليها، شأنها شأن الحاسوب، أو أي أي مصنوع آلي.
إنه القلم الذي يرى نفسه لسان الثورة وعينها وقلبها ويدها، لا ينفصل عن جماهيرها، ولا يصم آذانه عما تبثه خلجاتهم، وتحكيه مدامعهم وابتساماتهم، ويلاقونه في البيت والسوق، والمشفى والمدرسة والمسجد والجامعة.
القلم الذي يقول الحق بتجرد، ودون مصانعة، ويشهد لله في كل ما يطرح، فهو عصيٌ على التملك، غير قابلٍ للتدجين، لا يرضى لنفسه أن يكون مسلوب الإرادة، جامد الفكر، منعدم الضمير والإحساس، خاليا من القيم والمبادئ، يقف بحساب، ويتحرك بحساب، لا يطفئه انتماء، ولا يؤطره منصب، ولا تستعبده رغبة، ولا تذله حاجة، ولا تقعد به عن أداء دوره كشاهد على الناس كل الناس بين يدي الله والتاريخ ملمة.
إنه لا يقبل على نفسه امتهان الدوشنة في حضرة المسؤول، ولا ينزل إلى ما يبديه مجرد خرقة تمسح كل قذارات الساسة، ولا يتحول إلى غرفة تفتيش لإزالة وتصريف جيفهم وفضلاتهم.
إنه عين المقاتل في ساحات القتال، بل قلبه ودمه، يحيى بأنفاسه، ويحمل روحيته وفكره.
لا ينخدع بما تشيعه أبواق قريش، وعلى أمل التفاف (ابن الوليد) على جبل الأقلام، جبل الحماة لظهر المقاتل، والحراس للمكاسب والقيم والخط والنهج، حتى وإن قيل: الغنائم الغنائم، وحتى وإن قيل: الوقت وقت تفرغ للمعركة الكبرى ولا داعي لكشف السوس الذي يفتك بالبنيان من الداخل، كل هذا لا يوقفه، ولا يحد من سعة آفاقه، ولا يسهم في تراجع فاعليته.
إنه يقول لمنتقديه: تعاهدنا على القيام لله، وحملنا اسم أنصاره، وعليه؛ فكل ما يرضي الله، ويشهد على قيامي له، ويؤكد أنني جندي في لوائه؛ لن أتردد بالصدع به، وإن أغضب حاكما، ولم ينسجم وسياسة دولة.
لا يقول ذلك بلسان خوارجي، ولا يلتزمه كما التزموه هم بفهم قاصر، وإيمان ناقص، وانعدام بصيرة، وانزوائية وتكفير وتعطش لسفك الدماء؛ وإنما بسعة أفق محمدي، ورحمة رسالية، ومنهاج علوي شامل، معزز باستعداد حسيني للتضحية، ومنطق زينبي لإبلاغ الحجة، وبناء الروحية التي ستحمل الحق عبر الزمن، وتؤدي حقه دماً ومداداً.

أترك تعليقاً

التعليقات