المسيرة والخطر المحدق بها
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
هي بريئةٌ من سقطات الساقطين، متعاليةٌ على النقص والناقصين؛ نماذجها هناك في (شهداء) وأبناؤها يعرفون بسيماهم في القول والفعل والموقف والأسلوب.
إنهم هناك في (جبهات القتال) و(دائرة التصنيع الحربي) و(وحدتي الصاروخية والطيران المسير). وقد عرف الناس منهم رجالاً اصطفاهم الله بالقتل في سبيله، تركوا وراءهم آثاراً لا تمحى؛ فكراً وسلوكاً، حركةً ومواقف وأفعالا؛ رجالٌ كـ(أبو حرب) و(أبو شهيد) و(أبو صلاح) وسواهم في ميادين البيع من الله؛ ميادين القتال والقتل، وآخرين في سوح السياسة والإدارة ودوائر القرار؛ كان (الصماد) أطولهم باعاً، وأكثرهم عطاءً، وأعظمهم أثراً، وأقدرهم على الخلود في النفوس والواقع. فهل ثمة أحدٌ لم يعشق ذلك الكمال المتجلي برئيسٍ برتبة شهيد؟!
هذه هي الثمرة لتلك المسيرة التي لم يكن اسمها، والتي نتشرف بالانتماء إليها كيمنيين وكمجاهدين أحرار؛ اسماً للاستهلاك الإعلامي أو للجذب من خلال استغلال العاطفة الدينية لدى الناس، بغرض الحصول على أكبر قدرٍ ممكن من المنتمين، وتوسيع نطاق الدائرة الجماهيرية لهذه المسيرة القرآنية، من باب -لا سمح الله- أننا فقط أمام تنظيم سياسي أو حركة مذهبية دينية تضاف إلى بقية التنظيمات والحركات الموجودة في الساحة، وتعمل على استرضاء هذا والتساهل مع ذاك، ومجاملة هؤلاء، والسكوت عن أولئك، مراعاةً للمصالح المشتركة، أو بغية الوصول إلى ما تريد بأقل الخسائر الممكنة، مقارنةً بالكثير من الحركات التي اتخذت من العنوان الديني أساساً لعملها وحركتها وتوجهها، فهي لم تبن على قواعد سابقاتها من الحركات، التي لو فعلت ذلك لسقطت في الوحل؛ لأن تلك الحركات من غير مسيرتنا القرآنية تستند إلى المرجعيات التي أعطت في ما أعطته على امتداد قرون من زمن التاريخ الإسلامي، صوراً تتناقض بالكلية مع تعاليم القرآن الكريم، وتختلف عن الإسلام، لكون تلك المرجعيات أرست قواعد جديدة تتعارض تماماً مع كل مبادئ الشريعة السمحاء، بل تضرب كل مفاهيم الإسلام الكبرى في الصميم، وذلك ما تعارف عليه المسلمون تحت عنوان «نظام الخلافة»، بأمويها وعباسيها وعثمانيها وغيرها.. والتي تعتبر بمجموعها قدوات مشرفة وعظيمة لدى الإخوان ومن على شاكلتهم، إذ يسعون للوصول إلى مرحلة استعادة ذلك النموذج حتى وإن لزم الأمر أن يتحالفوا مع الشيطان نفسه في سبيل ذلك، فالمهم بالنسبة لهم هو في النتيجة لا في المقدمات التي تساعد على الحصول عليها، لذلك صاحب تاريخهم الطويل الانحراف الذي أدى إلى السقوط الكامل لهم في نهاية المطاف.
إنها الحركة التي تلتزم القرآن كنظام للحياة وكمشروع بناء للفرد والمجتمع والأمة، لذلك لم تكن تنظيماً وإنما حركةٌ تعمل على أن تنتظم جميع خطوات بني الإنسان على كلمة سواء «ألا نعبد إلا الله».
ولكن ثمة أمرٌ في غاية الخطورة يتهددها؛ وذاك ما سنحاول الإضاءة عليه في ما يأتي، كوننا قرآنيين، فعندما يتحدث القرآن الكريم عن مجتمعٍ أو أمةٍ ما سواءً كانا من أهل الخير والصلاح أو من أهل الشر والفساد، فإنه يريك أدق التفاصيل المتعلقة بهما، بالمستوى الذي يجعلك تتمثل كل ذلك من خلال إسقاطه على نفسيتك ونفسيات الآخرين من حولك، سواءً الذين يتحركون معك ضمن الخط الواحد ويحملون ذات النهج والمشروع، أو الذين يقفون على النقيض مما أنت عليه، بل ويتبنون العداء لك ولكل من يتحركون معك بشكل واضح وعلني، لذلك وجب العمل على استيحاء كل تلك الملامح لكل تلك الفئات والشخصيات بمختلف مواقفها وتحركاتها، بغض النظر عن طبيعة من صدرت عنهم، هل كانوا مؤمنين أم كافرين، فحاجتنا لكل ذلك هي على درجة عالية من الأهمية سواءً بسواء.
وإذا ما حاولنا التوقف قليلاً في ما تبقى من سطور على هذه المساحة، مع الفئة التي تقول عن نفسها: إنها تتحرك في سبيل الله، وتسعى لإعلاء كلمته، سنجد أن القرآن الكريم يحثنا على اتخاذ الحذر اللازم من أجل الحفاظ على استقامة التوجه وسلامة الخط حتى الوصول إلى النقطة التي يعني الوصول إليها تحقق جميع الأهداف على مستوى الحياة والمصير.
لأن هناك مَن يبدون للناظر من أهل السبق وممَّن أبلوا في سبيل الله بلاءً حسناً، بينما هم في حقيقة الأمر ليسوا كذلك، لأن رفعهم لعنوان سبيل الله ما كان إلا نتيجة رغبةٍ لديهم في إزالة ما وقع عليهم من ظلم فشلت في تخليصهم منه كل العناوين والانتماءات والشعارات الأخرى، فلجأوا إلى العقيدة، لا لجوء قناعة وإيمان ويقين، وإنما لجوء استوجبته المصلحة في حماية كل ما هو متعلقٌ بالجوانب الذاتية لهم، تماماً كالقوم الذين حكى عنهم القرآن من بني إسرائيل، الذين طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكاً ليقودهم للقتال في سبيل الله، ولم يكن الدافع خالصاً لوجهه الكريم، وإنما كان رغبة في الانتقام من الذين أخرجوهم من ديارهم ومن بين أهليهم وأبنائهم، لذلك ظهرت حقيقتهم بمجرد أن كان القائد ليس منهم وكانت معايير اختياره مختلفة على تلك المعايير التي ألفوها.
هؤلاء هم الخطر؛ (عباد المألوف) (والانتهازيون) والذين لم تسلم منهم جبهة الحق عبر العصور؛ إذ يطغى الذاتي لدى هؤلاء على العقائدي في كل زمان ومكان، لأنهم فقط يحاولون لفت الانتباه إليهم بكلمات حماسية لا قدرة لهم بترجمتها إلى مواقف وأفعال، بالإضافة إلى أنهم لا ينظرون إلى الطبقة المسحوقة إلا نظرة الاستحقار، بينما يعملون بكل جد في المحافظة على التركيبة المجتمعية التي تجعل جميع الأمور في مختلف شؤون الحياة بأيديهم هم، ولا يسمحون لأحد بمشاركتهم في ذلك، مع تماديهم في ظلم الناس وقهرهم، بغرض تنفيرهم من الحق وإبعادهم عن الهدى، ليستمر عبثهم بدين الله وكذبهم عليه سبحانه تحت عنوان سبيل الله.

أترك تعليقاً

التعليقات