مشاريع الطامعين تتقاطع فوق تراب اليمن.. رقصة الضباع على أنغام «تل أبيب»
- عثمان الحكيمي الثلاثاء , 23 ديـسـمـبـر , 2025 الساعة 12:34:07 AM
- 0 تعليقات

عثمان الحكيمي / لا ميديا -
المهرة وحضرموت ليستا مجرد محافظتين على هامش اليمن، فالأنظار اليوم أكثر من أي وقت مضى تتجه شرقًا نحوهما، فهما ساحة معقدة لاختبار إرادة القوى الإقليمية. فهل تتكشف فصول المسرحية الهزلية والعبثية لتلك القوى المنتهكة للتراب اليمني؟ وهل نحن أمام فصل نكاية حلفاء الأمس وخصوم اليوم المحتملين؟
في هذا السياق، بينما يعزز «المجلس الانتقالي الجنوبي» نفوذه العسكري على الأرض، مؤكدًا أنه ماضٍ في طريق استعادة «دولته» المزعومة، تتزايد المعطيات حول وجود ضغوط سعودية تطالبه بالخروج.
المؤشرات تدل على أن أحداثًا خطيرة قد تقع في الفترة القادمة، والتحليلات تتحدث عن انفجار وشيك. وفي ظل تقارب (سعودي -مصري) لافت مع قيادة الجيش السوداني بعد زيارة البرهان الخاطفة للمملكة ومصر، يبرز سؤال ملح: هل يتكرر المشهد في اليمن رغم أن العلاقات بين طرفي التحالف «السعودية والإمارات» كانت في السابق في حالة انسجام كبير؟
الانتقالي ومجلس القيادة.. «شرعية» في مهب الريح
في خضم الجدل حول تحركات «الانتقالي»، يُطرح سؤال «الشرعية» كأزمة مركزية. فبينما تشير المصادر إلى أن التحرك تم بموافقة أربعة أعضاء من قيادة ما يسمى بـ«مجلس القيادة الرئاسي»، يُطرح التساؤل: إن كان كذلك، فهل القرار يُعد شرعيًا وفق آلية عمل ذلك المجلس؟ بل الأهم من ذلك، هل هذا المجلس نفسه يمتلك شرعية بالأصل؟ فالدستور اليمني لم ينص على مجلس جماعي من ثمانية نواب، مما يجعل المصيبة كلها تكمن في هشاشة الأساس الذي بُني عليه كل شيء.
فكيف يمكن مناقشة شرعية تحركات «المجلس الانتقالي» الذي هو جزء من مجلس ما يُسمى بـ«مجلس القيادة الرئاسي»، وهو بالأساس لم يقم على شرعية؟ وبينما تتحدث التقارير عن حشود سعودية، يظل الموقف الرسمي للسعودية خجولًا. فما هذا الخجل الذي تسلكه المملكة؟ وهل وصلت الأمور إلى مرحلة القطيعة أو الصدام؟ أم أنها لا تزال تراهن على ضغوط دبلوماسية لم تعد تجدي نفعًا مع طرف يرى أن ما حققه بالقوة لا يمكن أن يُسترد بالسياسة؟ وسط الأنباء عن تحركات جوية سعودية غير مؤكدة، يبقى السؤال: هل نحن أمام تسوية سياسية أم أمام تصعيد في تلك المناطق؟
التلميذ الطموح والأستاذ الماكر
محمد بن سلمان لم يكن يومًا بعيدًا عن مدرسة محمد بن زايد؛ التلميذ الطموح جلس طويلًا في صف الأستاذ الماكر، يكرر دروسه ويقلّد خطواته في رسم السياسات. لكن فجأة، بدا وكأنه استفاق من غفوته، ليكتشف أن الأستاذ لم يكن يعلّمه بقدر ما كان يمدد نفوذه على حسابه.
ففي الوقت الذي ظن فيه الطفل أنه يتعلم فنون الحكم، كان الثعلب يبني إمبراطوريته بهدوء، مستخدمًا حماس الصغير وطموحه كغطاء. فالإمارات ضربت الأطراف التي يُفترض أن تكون حلفاء طبيعيين للسعودية، ونسجت كيانات موازية تخدم مشروعها في بلدان كثيرة.
وهنا يبرز السؤال: ماذا ستفعل السعودية بعدما وجدت نفسها في مواجهة ثعلب عجوز بارع في صناعة البدائل وتقديم الدعم لها؟ هل يملك التلميذ الطموح القدرة على التمرّد، أم أن اللعبة أكبر من حجمه؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف، لكن المؤكد أن الأستاذ الماكر يكتب فصول اللعبة بخبث، بينما التلميذ ما زال يتعلم في مدرسة السياسة القاسية. ولكن هل يعلم أن كل المؤشرات تقول إن مدرسة السياسة القاسية لا تمنح شهادات تخرج للمتأخرين؟
أوهام «الشرعية» ووليمة الطامعين
منذ اليوم الأول للعدوان، رفعت السعودية والإمارات شعار «إعادة الشرعية»، وكأنهما «ملائكة رحمة» جـــاءت لإنقاذ اليمن. لكن الحقيقة أن هذا الشعار لم يكن سوى بطاقة دخول إلى جريمة كبرى. فالرياض لا تريد يمنًا مستقلًا، بل تريد يمنًا منزوع الإرادة، خاضعًا لسطوتها، يفتح لهــا أبواب البحـــــر والموانئ. أما أبوظبي، فقد لبست ثوب «الشريك» وهي في الأصل قرصان يبحث عن الجزر والمواقع الاستراتيجية ليحوّلها إلى قواعد تخدم مشاريعها. كلاهما يرفع شعارات زائفة، لكنهـا مجرد أقنعة تخفي خناجـــــر مغروســــة فــي خاصـــرة اليمن.
الحقيقة أن ما يجري ليس دفاعًا عن سيادة ولا عن وحدة، بل هو صراع نفوذ قذر بين ضباع إقليمية تتقاسم الغنيمة، وتضحك وهي تكتب سيناريو الدماء. اليمن ليس ضعيفًا، بل مستهدف، والضعف الحقيقي يكمن في خبث الرياض وأبوظبي، وفي أوهامهما أن بإمكانهما تحويل بلد بتاريخ اليمن إلى مجرد رقعة شطرنج.
رقصة على أنغام «تل أبيب»
في هذا «الشرق الأوسط» الموبوء بالمؤامرات، لا يمكن أن يكون التصفيق الصادر عن الكيان الصهيوني لسيطرة «المجلس الانتقالي» على الجنوب مجرد مصادفة بريئة. فبينما يغرق «الانتقالي» في سردياته عن النضال التاريخي، كانت «تل أبيب» تحتفل بانتصار استراتيجي جديد، تقول إنه تحقق بأيدٍ عربية.
فالتقارير التي تتسرب عن اتصالات وعلاقات ليست سوى قمة جبل الجليد، أما قاعدته الراسخة فهي التنسيق الإماراتي الممنهج مع الكيان الصهيوني في كل ملف تقريبًا، من التجارة إلى الأمن.
إنها الحقيقة المرة: قد تتقاتل السعودية والإمارات على فتات النفوذ في شوارع عدن، لكنهما في الصورة الكبرى مجرد أدوات تنفذ، بوعي أو بغباء، لأجندة الكيان الصهيوني في المنطقة. فسيطرة وكيل إماراتي على باب المندب وسقطرى هو حلم صهيوني قديم.
وهذا التقاطع الخبيث في الأهداف هو الخيانة العظمى التي يجب فضحها. إنه يكشف أن المعركة لم تكن يومًا من أجل ما تسمى بـ«الشرعية»، بل من أجل إعادة رسم الخرائط بما يخدم مصالح «تل أبيب»، ويهدف إلى تحويل المنطقة بأكملها إلى مجرد ضيعة خلفية للكيان الصهيوني، بينما الدمى تتحرك بخيوط لا يرون من يمسكها.
في خضم هذه الرقصة المحمومة، يبدو اليمن وكأنه الغائب الحاضر؛ أرض تُدار فوقها الصفقات، وشعب يُراد له أن يبقى خارج المعادلة. لكن التاريخ علّمنا أن الشعوب قد تصمت طويلًا، إلا أنها لا تنسى، ولا تُهزم إلى الأبد. فكل هذه المشاريع، مهما بدت محكمة، تحمل في داخلها بذور سقوطها، لأنها قامت على الخديعة والارتهان للخارج.
إن أخطر ما تواجهه المهرة وحضرموت اليوم ليس الحشود العسكرية بحد ذاتها، بل محاولة سلخهما من عمقهما الوطني وتحويلهما إلى أوراق تفاوض في بازار إقليمي قذر. غير أن الرهان على تفكيك اليمن رهان خاسر، لأن الجغرافيا ليست ملكًا للغزاة، والهوية لا تُشترى بالمال ولا تُفرض بالقوة.
ما يجري اليوم هو امتحان للوعي اليمني قبل أن يكون اختبارًا لتوازنات الإقليم، فإما أن يعي اليمنيون حجم الاستهداف، أو يتركوا الضباع تواصل عبثها حتى يستنزف الوطن حجرًا حجرًا.
إن لحظة سقوط الأقنعة تقترب، ومعها ستُفضح حقيقة «التحالفات» التي لم تكن سوى خناجر مؤجلة في خاصرة اليمن، وعندها سيدرك الجميع أن اليمن، الذي أرادوه مجرد ساحة لتصفية الحسابات وتقاسم النفوذ، قادر على التحول إلى عقدة تعصف بكل مشاريعهم، لأن الأوطان قد تُرهق وتُثخن بالجراح، لكنها لا تُمحى ولا تموت.










المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي