البحر.. بوابة الحرب القادمة أم شرارة الانفجار الأولى؟!
- عثمان الحكيمي الأربعاء , 15 أكـتـوبـر , 2025 الساعة 10:38:41 PM
- 0 تعليقات
عثمان الحكيمي / لا ميديا -
في عُمق الليل البحري، حيث لا صوت إلا للأمواج، تُولَد الحروب من رَحِم الصمت. ليست الحرب دائماً قنابل تتساقط أو دبابات تزحف على الأرض؛ أحياناً تبدأ بسفينة تُوقَف، وعَلَم يُنزَع، وحقوق تُنتَهك. فالتاريخ يعلمنا أن البحار كانت دائماً مسرحاً للمواجهات الكبرى، وأن السيطرة على الممرات المائية تعني السيطرة على مصير الأمم.
في هذا السياق، وبعد عودة العقوبات على إيران، تُحاك مؤامرات التفتيش على السفن الإيرانية في البحار بطبقات كثيفة من الغموض. ومن جهة أخرى، لا يعرف أعداء وخصوم إيران ما الذي يقف خلف الصمت الهادئ العميق الذي تبديه إيران في حال تم البدء بإجراءات العقوبات عليها. ولكن يمكن القول بوضوح إن في كل شبر من مياه البحار والمحيطات، ترقد إمكانية شرارة حرب قد تشتعل بلا سابق إنذار. نعم، إن عالم الحروب البحرية اليوم ليس كما عهدناه؛ فهو خليط من الانتظار، والشد والجذب، والظلال التي تخفي أكثر مما تكشف.
عودة العقوبات.. الخناق يضيق من جديد
مؤخراً، عادت العقوبات لتُطبِق خناقها على إيران بعد سنوات من رفعها. لم يكن ذلك مجرد قرارٍ عابر، بل جاء بعد فشل مجلس الأمن في التصويت على استمرار رفع العقوبات. ومن الواضح أن هذه العقوبات ليست كسابقاتها؛ إذ تعيش المنطقة في الوقت الراهن أوضاعاً متوترة باتت تنذر بتصعيدٍ كبير. في هذا الصدد، تنوي الولايات المتحدة وحلفاؤها البدء بعمليات تفتيش للسفن في البحار والموانئ، كخطوةٍ عمليةٍ تهدف إلى تضييق الخناق الاقتصادي والسياسي على إيران.
وفي المقابل، تستعد إيران لردود فعلٍ حازمةٍ وحذرةٍ في الوقت ذاته، وتلعب على وتر الحزم والتكتيك بقدرٍ من الحنكة، في حين تُظهر قوات التحالف الغربي استعدادها للانطلاق. وتبقى البحار والموانئ بأكملها شاهدةً على ليلةٍ قد تعصف فيها الاضطرابات بأركان العالم بأسره. هذا كله يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات: هل ستصبح مياه الخليج ميدانَ الاشتباك الأول؟ وهل ستكتفي القوى بمعركةٍ محدودة، أم أن اللهيب سيتسع ليشمل كل الاتجاهات؟ وكيف ستتفاعل القوى الإقليمية والدولية مع هذه الشرارة إن اندلعت؟ وماذا عن إيران؟ كيف ستتعامل مع أي تهورٍ من قبل الغرب؟
جاهزية إيران
في عالم البحار العميقة، يُقال إن الرجال لا يُختبرون إلا بالنيران، وإيران اليوم، بأسطولها وجنودها، على موعد مع امتحان من نار. ففي زمن الصمت المتوتر، لا تُقاس العزائم إلا حين تصطدم الأمواج بالحديد، وعليها أن تردّ بكل ما لديها من قوة وحكمة. تحتضن إيران أسطولها كما يحتضن الليل وليده في هدوء الليالي الغابرة، وإن سيقت إليها الحرب، فستكون العيون شاخصة نحو كل حركة.
سبق لإيران أن توعدت مراراً بأنها جاهزة للتعامل مع كل الاحتمالات، وزيارة قائد الحرس الثوري اللواء محمد باكبور للبحرية من الواضح أنها لم تكن مجرد استعراض، بل إعلان قدرة، خطاب قوة، رسالة تقول للعالم: «من يجرؤ على الاعتداء، سيكتشف أن الرد ليس مجرد دفاع، بل بداية النهاية».
فلسفتان عسكريتان في مواجهة بحرية
يكمن مفتاح فهم المواجهة البحرية المحتملة في إدراك أنها ليست مجرد حرب بين أساطيل، بل هي صراع عميق بين فلسفتين عسكريتين متضادتين. من جهة، تقف فلسفة القوة الأمريكية الهائلة، القائمة على «الهيمنة البحرية» التقليدية. إنها ترى البحر كخريطة مسطحة يمكن السيطرة عليها بالتفوق التكنولوجي الساحق، والأقمار الصناعية، ومجموعات حاملات الطائرات الضاربة. هذه هي عقلية «الحوت الأزرق»؛ الكائن الأضخم الذي يفرض هيمنته بحجمه وقوته المطلقة.
ومن جهة أخرى، تبرز «عقيدة الوخز» الإيرانية غير المتكافئة، التي طورتها ببراغماتية فرضتها ضرورات الجغرافيا والتاريخ. هذه العقيدة لا ترى البحر كخريطة، بل كجسد حي مليء بالشعاب الخفية والتيارات الغادرة. هدفها ليس تحقيق النصر في معركة كلاسيكية، بل جعل تكلفة أي عدوان باهظة إلى حد لا يطاق. إنها عقلية الرد المُربك الذي يهدف إلى إنهاك الخصم بضربات خاطفة ومتتالية، معتمدةً في ذلك على استغلال جغرافيا الخليج الضحلة عبر تكتيكات مختلفة واستخدام أسراب الزوارق الهجومية السريعة، وترسانة الألغام والصواريخ الباليستية المضادة للسفن.
في النهاية، إن التفاعل بين آلية فرض العقوبات والعقائد العسكرية المتباينة يخلق حالة من «حافة الهاوية» كوضع استراتيجي شبه دائم في المياه. فبينما تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها لزيادة الضغط الاقتصادي إلى أقصى حد، تحتفظ إيران بالقدرة على الرد بأساليب غير متكافئة. ويوضح هذا التصور أن الساحة البحرية ليست مجرد مسرح محتمل للصراع، بل هي النقطة التي تتقاطع فيها المصالح الحيوية والاستراتيجيات العسكرية المتضاربة بشكل مباشر، ما يجعلها المرشح الأكثر منطقية لتكون نقطة انطلاق أي تصعيد عسكري مستقبلي. وبالتالي، فإن أي تحليل مستقبلي لاستقرار المنطقة يجب أن يولي اهتماماً فائقاً لديناميكيات التفاعل البحري، حيث إن حادثة تكتيكية محدودة قد تكون كافية لإشعال صراع استراتيجي واسع النطاق. والأيام القادمة هي وحدها ما سيبين حقيقة المآلات.
المصدر عثمان الحكيمي
زيارة جميع مقالات: عثمان الحكيمي