البناء الذي يتطلبه الانتماء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ميز الله جل في علاه الإنسان بالإدراك، أي بامتلاك العقل المدرك القادر على تمييز الأشياء، وفهم حسنها من قبيحها، ومن ثم امتلاكه قدرة للاختيار بينها، وإرادة لتحقيق ما اختاره بعقله.
إذن هي ثلاثية ذات أبعاد عالمية، إرادة وحرية واختيار، وعقل مدرك يميز الحسن من القبيح، وأي ولاية حق كي تنجز ولايتها وتتحقق لا بدّ أن تكون ولاية على عقلاء، بمعنى امتلاكهم القدرة على الإدراك السليم وتمييزهم للحق من الباطل، بالتالي قدرتهم على الاختيار الحر، فقد شاء الله أن يختار الإنسان طريقه، ويمتلك حرية هذا الاختيار، بعد أن وضّح له السبل، وبين له نتيجة اختياره لكل طريق، وأبان له كل شيء، وترك له في نهاية الأمر اختيار الطريق.
ونحن تلاميذ في مدرسة الله، ووظيفتنا هي تبيان الحقيقة وإيضاحها، وطرح الآراء وضدها ومناقشتها، ومحاورة الجميع، وتوضيح المناهج والطرق في الوصول إلى الحقيقة، لا فرضنا لحقيقة نحن نراها، فالحقيقة كأصل ثابتة، لكنها ذات مراتب مشكّكة، وللناس قابليات مختلفة، ومراتب مختلفة في الإدراك والمعرفة، فأن تعطي للناس الوسيلة والمنهج والأدوات في كشف معالم الحقيقة، وتترك لهم الحق في التجربة والخطأ والتعلم والاعتبار، واكتشاف الآراء وتفنيدها، وامتلاك القدرة على النقد والتقييم بما يطور لهم عقولهم ويجعلهم يمتلكون مكنة وقدرة ذاتية في رد الشبهات، وتفنيد الآراء الفاسدة، والتحقق من المعلومة والمعارف بطرق علمية تعتمد الدليل والبرهان، خير من تحويلهم إلى قطيع، أو تدجينهم وتلقينهم ما تريد، أو توجيههم بمناهج تفرضها عليهم كحقيقة مطلقة.
إن مدرسة الإسلام الأصيل تربي جنودا علماء في كل شيء، بعكس مدرسة الإسلام البشري، والنزعة الفرعونية المستبدة الطاغية المستكبرة، التي لا تريد سوى أن تربي جنودا جهلة أجلافا لا عقل ولا إرادة ولا حرية لهم كي يقرروا ويختاروا. فبالعلم ملك الأنبياء قلوب الناس، ونفذوا إلى عقولهم، بينما القوة والعسكرة الثقافية كانت منهج فرعون عندما قال: «مَا أُرِيكُمْ إِلاَ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَ سَبِيلَ الرَّشَادِ»، وهي كلمة قالها في حضرة نبي الله موسى عليه السلام الذي رغم نبوته لكنه لم يتلفظ بما تلفظ به فرعون الذي يعتبر نفسه مالكًا للحق والحقيقة، وله حق إقصاء كل رأي مخالف، وفرض ما يراه كسبيل أحادي للرشاد. وكان مصيره الغرق كمصير قوم نوح الذين عطلوا عقولهم، واتبعوا كالقطيع منهج آبائهم وأجدادهم، فأغرقهم الله كفرعون لخطورة منهجهم في تعطيل العقل وإقصائه، وفرض منهجيتهم الأحادية بطرق ولغة القوة على المحيط.
إن ثقافة ومشروع مسيرتنا وحركتنا الجهادية الرسالية الثورية تحتم علينا العمل على أن نبني إنسانًا قادرًا على التعقل، ومدركًا لما يريد، ومختارًا له، في فضاء حر، لكن حرية منضبطة بمبدأ الدليل والبرهان وليست منفلتة، حرية علمية موضوعية تسعى لكشف الحقيقة لا تسعى لفرضها. والقرآن حاور وناقش وسمع كل الآراء تحت مبدأ قل هاتوا برهانكم، وليس أهواءكم وميولكم واستمزاجاتكم.

أترك تعليقاً

التعليقات