مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لليوم العاشر على التوالي، يستضيفنا عزيزي القارئ، هذا الكتاب، وهو "الرحمن.. اللّغز الأكبر"، الذي يكشف لنا إلى الآن فقط، ونحن لانزال في الجزء الأول منه، أن الحرب التي شُنت ولاتزال في أوجها على عباد الرحمن، انطلقت أولاً ضد هذا الاسم "الرحمن" الذي صدع به النبي وأشهره في وجوههم وأرغم به آنافهم بكونه عنواناً للوحدانية، وهو ما دفعهم لشن حرب شعواء، لاستهداف اسم "الرحمن"، بعد أن فقدوا الحيلة مع اسم "الله"؛ ولكنهم أدركوا في زمن مبكر أن المفتاح لبلوغ مرادهم من الوحدانية هو "الرحمن". لذلك نجدهم لا ينفرون من شيء، ولا يفزعهم شيء ويثير غضبهم مثل "الرحمن"؛ إذ استنكروا دعوة الله ورسوله لهم بالسجود له، وأبوا الدعاء به، وظل هاجسهم هو كيف يحدون منه، على الأقل، إذ يستحيل عليهم القضاء على المفردة، بادئ ذي بدء، وعليه لزم الأمر منهم العمل بشكل تدريجي، ينطلقون فيه بناء على خطة حددوا وفقها العمل على ثلاث مراحل:
1. مرحلة الحد منه، واستنكار التسمي به، ورفض جعله دالاً على الذات الإلهية، معبرين عن حالة الصراع الدائم بين الرحمنيين والثالوثيين، وهو صراع دائم ما دامت السماء والأرض، وما مجيء أمية بن أبي الصلت بصيغة "بسمك اللهم" من الروم أو الشام، كبديل عن البسملة، إلا البداية، فهذا المشرك أراد دعم موقف أخواله بذلك، ورفض قريش في الحديبية تصدر وثيقة الصلح بينهم والمسلمين بالبسملة شاهد آخر، وحينما دخلوا الإسلام كرهاً وطمعاً، ظلوا على النهج ذاته، فاستبعدوا، أو قل: أسقطوا البسملة من قرآنيتها، ولم يبقوا منها سوى رسمها في الفاتحة، وفواتح السور، ثم النهي عن الجهر بها في الصلوات، واعتبار ذلك بدعة.
أما لو عرفت عزيزي القارئ أن "سهيل بن عمرو"، الذي قالوا لنا إنه ممثل قريش في الحديبية، وزعيم وفدها المفاوض للنبي على الصلح، هو واحدٌ من أربعة حمقى عرفهم العصر الجاهلي، وأقلتهم الجزيرة العربية؛ فماذا ستقول، وقد جعلوا الرجل الكامل بكمال مرسله، والعظيم بعظمة مصطفيه، يناظر أحمقاً اسمه سهيل؟! فهل بعد هذا من شك بأن بني أمية غيروا وبدلوا؟!
1. ابتداع صيغة جديدة للاسم المركب من عبد ولفظ الجلالة "الله"، و"الرحمن"، المعبرين عن الذات الإلهية بمطلقيتها، وذلك بجعل الأسماء الصفات، التي تطلق على العباد وربهم الرحمن، على السواء، ولا تكون دالة على الله الرحمن، إلا بوجودها تابعة لأيٍّ من الاسمين، ومسبوقة بهما، بحيث تصير تلك الصفات أوصافاً لهما.
وهنا جاء دور الوزغ ابن الوزغ واختراعه صيغة جديدة للأسماء التعبدية. ولم يكن ذلك إلا بداية الخيط، نعم، فمروان بن الحكم (خيط الباطل) أراد بتسمية اثنين من أبنائه اسمين مركبين، هما: عبدالملك، وعبدالعزيز، مزاحمة اسمي "الله" و"الرحمن"، الاسمين اللذين أقرهما الإسلام، وسمى بهما النبي صلى الله عليه وآله أصحابه الذين كانت لهم أسماء مركبة، كعبد الكعبة، وسواه، وظل المسلمون طوال فترة عهد النبوة، وبعدها بثلاثة عقود، لا يعرفون سوى اسم "عبدالله"، و"عبدالرحمن"، ولا يسمون سوى بهما، بل جُعل الاسمان شعاراً للمسلمين، في فتح مكة وسواها من المعارك، فالأنصار سماهم الرسول الكريم بني عبدالرحمن، والمهاجرون بني عبدالله، بل لقد عدهما عليه وآله الصلاة والسلام خير الأسماء. وهو ما يوحي بأنه كان يريد لهما البقاء والسعة والامتداد، ليكونا ميزة يمتاز بها الإسلام، وعلامة فارقة على اختلاف زمن الوحدانية على زمن الشرك. ولكن هيهات أن يسكت بنو أمية على ذلك، باعتبارهم ممثلي إمبراطورية الشرك، وحملة راية عبادة الثالوث في الجزيرة العربية، والمعول عليهم من قبل الرومان، لضرب مفهوم العبودية المطلقة لله الرحمن، والتشويش على عقيدة التوحيد، وتشويه مقوماتها، وطمس معالمها. فبعد عملهم الحثيث على إسقاط البسملة من قرآنيتها، جاء خيط الباطل ذاك فجعل منزلة النعوت بمنزلة اسمي الذات "الله" و"الرحمن"، وذاك ما افتتحه بابنيه، عبدالملك، وعبدالعزيز؛ الأمر الذي أسس لوجود تسعة وتسعين اسماً لا يخلو منها بيت في كل العالم الإسلامي، وكل مَن يسمي بها يعتقد أنها ضمن الأسماء التعبدية، والتي يقصد بها التعظيم لله، وتأكيد عبودية مطلقيها له، فيما الأمر ليس كذلك، فالمسألة ببساطة هي أن عبد السميع والبصير والعزيز والجبار واللطيف والحليم والملك، وغيرها أسماء كبقية الأسماء، ولا اعتراض عليها، فمن حقي أن أسمي ابني عبد الرسول، أو الزهراء أو الحسين، ما دمت أعتبره اسم ذات، يدل على ابني. لكن الاعتراض هو اعتباري لاسم عبد العزيز والرحيم والملك والحليم وغيرها من هذه الصفات أسماء تعبدية، أسماء أجعلها بمنزلة عبدالله وعبدالرحمن، وحاملة للمعنى ذاته. ولعل ذلك هو ما سيجعل الذين سيأتون بعدنا بآلاف السنين يعتبروننا عباداً لأكثر من 100 من الأرباب والآلهة، تماماً كما فعلنا مع الذين سبقونا. ولكن لن يكون هنالك مؤرخ اسمه جواد علي، ليقول لهم إنها صفات يقصد بها معبود واحد.
3. إفراغ "الرحمن" من معناه الحقيقي، وجعله مفردة دالة على معنى الرحمة، وإدخاله في خانة الصفة المشبهة، وإلحاقه بالمفردات التي تجيء على وزن فعلان، واعتباره من جذر لغوي معين، هو الفعل الثلاثي مكسور العين (رحم) واعتباره والرحيم بالمعنى ذاته؛ حتى وإن وجد من بين اللغويين مَن اعتبره علماً، أو اسماً ليس له علاقة بالصفة المشبهة، فقد ذهب كغيره إلى اعتباره والرحيم بالمعنى ذاته.
هذا هو المسار الذي تدرج فيه عبدة الثالوث، في كل مراحل حربهم مع الرحمن وعباده. وهذه هي قطرة من بحر الكتاب بجزئه الأول. فإلى اللقاء مع الجزء أو البحر الثاني.

أترك تعليقاً

التعليقات