ثقافة المسخ للآدمية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
أي عصرٍ هذا؟ عصرٌ اختلت فيه الموازين، واختلفت المقاييس، وتبدلت المعايير، إلى الحد الذي صار المرء الذي يسعى لبيان حقيقة ما، أو لفت انتباه الناس تجاه ما يحاك ضدهم من مؤامرات ومكائد، ويتهددهم من أخطار، أو حثهم على التزام الموقف الحق، والتمسك بقضاياهم العادلة، يجد نفسه وجهاً لوجه مع الكثير من الصعوبات والعقبات والحواجز التي تحول بينه وبين ما يسعى إليه، وتتسبب ببقائه يسير ببطء شديد، خوفاً من الوقوع في شرك هنا، وحفرةٍ هناك، أو تعثره وهو يطوي المسافات في هذه العقبة، أو سقوطه من ذلك المنحدر، أو اصطدامه بأحد الحواجز الموضوعة خصيصاً لتحول بينه وبين بغيته ومراده، وللأسف، فإن كل تلك الحواجز والمعوقات ليس لها وجودٌ ماديٌ يمكن إدراكه، وبالتالي تحاشي الوقوع فيه، أو العمل على إزالته، وإنما كان وجودها مقتصراً على الجانب المعنوي، كونها موضوعةً في طريق كل ما نتخذه وسيلةً للوصول إلى عقول الناس وقلوبهم، كي نوجد لديهم إحساسا بضرورة التغيير، ونعزز في نفوسهم الدافع لامتلاك الإرادة القوية بهذا الخصوص، فيتحركون بقناعة نابعة من الداخل، كنتيجة طبيعية لعقيدةٍ حلت بين جوانحهم، وملكت عليهم أفئدتهم، وجرت مجرى الدم في أجسادهم، عندها لن يقوى أحدٌ على استعبادهم، واحتلال أرضهم، ونهب خيراتهم، مهما تضاعفت لديه عوامل القوة، وتوفر له من أدوات الموت والدمار، فهزيمته حتميةٌ ولو لم يكن بيد المجتمع المنطلق على أساس عقائدي وفكري ما يعادل عشرة بالمائة من الإمكانات المادية التي يمتلكها عدوه ذاك.
ولكن كيف السبيل لإيجاد هذا المجتمع الحاضر في فكره وإحساسه، الذي يعيش النباهة كعنصر لا غنى له عنه في كل ظروفه وأحواله؟ كيف وقد سبقنا الغرب المستكبر إلى معظم الفئات المجتمعية في عالمنا العربي المسلم، فقام بتشكيل عقولهم كما يريد، وعمل على ملئها بأفكار وقضايا معينة، تصب في خدمته، وصور لهم أنها المسلمات القطعية التي لا يجوز لأحد المساس بها، أو المجيء بسواها؟ لذلك لا تستغربوا إذا شاهدتم بين أبناء المجتمع اليمني مَن يتفاعلون مع كل ما يثيره الخونة المنافقون من أمور وإشكالات، سواءً ما كان متعلقا بخصوص تعديل المناهج، أم ما كان متعلقا بأشياء أخرى، لأن المسألة تشير إلى أننا أمام ضحايا كثر لممارسات أنظمة الوصاية والعمالة التي حكمت لأكثر من نصف قرن.
ضحايا تقيم الدنيا ولا تقعدها في حال رأت أي شيء يوحي بتأكيد التوجه لنيل الحرية والاستقلال، أو يسهم بالدفع نحو التمسك بالهوية، ويدعو للحفاظ على موجبات الكرامة الآدمية، أو ينمي الوعي لدى الناس بأن بإمكانهم أن يبنوا ذواتهم وحضارتهم، ويكون لهم أدبهم وفنهم ورموزهم الخاصة بهم والمعبرة عنهم، والحاملة لقضاياهم وتطلعاتهم وأهدافهم، ضحايا تستفزها صورة للشهيد أبو حرب الملصي، عندما توضع على غلاف أحد الكتب المدرسية، وتعتبر ذلك مدعاة لخلخلة السلم الاجتماعي، وعلامة على وجود نزعة طائفية، بينما لا تلقي بالاً لصور الأشلاء الممزقة، والوجوه المكلومة، والصرخات المعذبة في كل المناطق التي طالها العدوان، وقتل ودمر وسجن واغتصب ونهب وأذل واستعبد واستبد.
ضحايا يرون المدافع عن بلده وحرمات أبناء مجتمعه أنه سلالي رجعي متخلف دموي طائفي مناطقي جاهل، ويرون المعتدي القاتل المنتهك للعرض الناهب للثروات المحتل للأرض أخاً وجاراً صالحاً، جاء للدفاع عن الشرعية، واستعادة اليمن العربية، وتخليصها من أبنائها الشرفاء، الذين هم محتلون في نظره، ألا فالعنوا معي كل مَن أطلق لسانه غاضباً لدخول قصيدة شعرية في المقرر المدرسي، أو لوجود صورة لشهيد في أغلفته، أو لوجود سيرة ذاتية تحكي قصة رمز من رموز ثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر، بينما ظل على مدى سبع من السنوات مبتلعا لسانه، واليمن يذبح من الوريد إلى الوريد، فمثل هؤلاء لا كرامة ولا شرف ولا إنسانية لديهم، وليسوا سوى مسوخ بصور آدمية فقط لا غير.

أترك تعليقاً

التعليقات