ما وراء المبيدات
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
جميل هو استعراض عالي الجناب بالدين والقيم والمبادئ والأخلاق، ولكن ما إن تصادفهم أول محطة للاختبار والتمحيص حتى يظهروا على حقيقتهم، فهناك من ظل يتحدث عن العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات في معظم خطاباته، ولكن ما إن تصلهُ مظلمة لأحد الناس تسبب بها أحد أقاربه أو أصدقائه أو حاشيته حتى يظهر على حقيقته ويتنصل من كل ما كان يطرحه في السابق، ويصبح هو السند والمحامي لذلك الظالم.
فأين هم من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كان أحرص الناس بالناس ولم يحاب أحدا على حساب أحد، ولقد عمل على ألا يتسلم أحد أقاربه وأبنائه أمرا من أمور السلطة والحكم، ولنا في قصته مع أخيه عقيل خير شاهد على ما نقول، فلماذا نتشدق بولايته وندعي التمسك بمنهاجه ونحن أبعد ما نكون عنه.
لم يكن عليه السلام يكتفي بالوعظ والإرشاد لولاته، بل كان يخصص للناس بريدا لإيصال مظالمهم إليه، وكان دائماً ما يبادر بالنزول إلى الأسواق والأحياء ويجعل لهُ مجلسا يجلس فيه إلى الناس الذين لهم مظالم وحاجات، وكان عادة ما يقف في صف الناس ولو على حساب أقرب المقربين إليه، وأن الحق لا يكفي فيه التوصيف والبيان، بل يجب أن يلمس الناس حقيقة ما تدعيه في ممارساتك وسلوكك، وقد قال الإمام عليه السلام: “الحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف”، وذاك ما تنبه لهُ أحد أساتذتنا الأعزاء الذي قال: “لم تكن مشكلة المسلمين مع عثمان قائمة على أساس غياب النص القرآني، فالقرآن كان يتلى في ذلك المجتمع، وربما كان عثمان من أكثرهم قراءة له وتردداً عليه، لكنه فزع أيما فزع عندما كان أبو ذر يتلو آية الكنز، وذلك لأن التالي هنا أبو ذر الذي سيجسدها واقعاً ويظهر معناها في ممارساته وسلوكه، لهذا نفوه، ولا يعني ذلك أنهم أنكروا الآية بل سعوا إلى ألا يكون لهذه الآية مصداق عملي”.
وكذلك نرى في واقعنا أن معظم المزرين يجيدون أيما إجادة الحديث عن الملازم ويستشهدون بها في كل خطاباتهم وبعضهم قد يحفظ خطابات السيد القائد عن ظهر قلب، لكن أين هم من الصماد الذي كان فعلهُ يسبقُ قوله، فما تكلم بكلمة إلا ولمس الناس مصداقيتها وحقيقتها في الواقع، فالناس لا يريدون نصوصاً وما أكثر من يتحدث بالفضيلة ولا يلتزمها، ويدعوك إلى الحق وهو أول من ينحرف عنه ويأتي بعكسه.
كفى استهتارا ولامبالاة، فالناس يريدون شواهد على ما ندعوهم لالتزامه من خلال ما سيلمسونه في حياتهم من متغيرات تعود عليهم بالخير في كل مجالات حياتهم، وإننا نخشى أن نصبح كأولئك الذين اعتبروا ظهورهم على الناس وغلبتهم لأعدائهم حقا مستحقا لهم من الله، وكانوا يدعون أنهم أخص الناس بالله وأقدرهم على القيام بأوامره فسقطوا بالواقع عندما تركوا تصحيح وضعهم من الداخل، ولم يعودوا ينكرون على بعضهم البعض ما يقترفونهُ بحق الناس من ظلم واستغلال واستبداد.
إن أسوأ ما يمكن أن تجره القوة على الراكنين إليها هو تنصلهم من القيم والمبادئ التي ادعوا أن تحصيل القوة ما جاء إلا لحمايتها، فكانوا أول الناكلين لها والمبددين لمعانيها ولنا في قصة المبيدات عظة وعبرة لو تأملنا، فقد باتت من ضروريات الحياة عند بعض مسؤولينا لا لشيء إلا لأن جالبيها من خاصتهم ومقربيهم.

أترك تعليقاً

التعليقات