فلنحتكم للثقافة القرآنية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لطالما وجدنا مسؤولينا الكرام يتحدثون عن التركة الهائلة التي خلفتها الأنظمة السابقة، من فساد وإفساد وعشوائية، وانحراف واستهتار وعبث وجهل ولصوصية طالت الواقع كله، وقضت على المنظومة الإدارية والتربوية والخدمية والتجارية و... فتغيرت النفوس وخبثت في مختلف القطاعات، وساد الطمع والانتهازية في كل مكان، الأمر الذي يستوجب من الجميع إلتماس العذر لكافة مسؤولي الدولة، فهم بحاجة لوقت طويل حتى يتمكنوا من إحداث تغيير ملموس ولو جزئياً، ناهيك عن التحقيق للإصلاح الشامل، وخصوصاً في ظل انعدام الإمكانيات وقلة الموارد، بسبب العدوان والحصار الذي لانزال نعيش في ظل ما خلفته سنونه العشر من تبعات وآثار، وإذن فلنكظم الغيظ جميعاً ولا قوة إلا بالله!
ولكن مع طلب الإعذار لنا من جميع أصحاب المعالي والفخامة الكرام، وذلك بالسماح لنا بسؤالهم: لماذا يتناسى معظمهم أننا لم نقم بثورة إلا لوعينا بكل ذلك الماضي المظلم، ورجائنا المنعقد بالله والمسيرة في إعانتنا على التخلص منه؟ ثم ألسنا معنيين بتقديم النموذج في سيرتنا وقراراتنا وبرامجنا، فنجعل الناس يلعنون الماضي بكل صانعيه ورموزه؟
نعم هنالك تبعات وآثار لعدوان لم تنتهِ فصوله بعد، ولا ندري إلى أين تصير الأمور في ظل هدنة كانت أشبه ما يكون بمنزلة بين منزلتين، فلا هي إلى السلم مالت، ولا بالحرب صالت! وبقينا نكتوي بنار الحرب، ولكن مع عدم وجود الغارات والنيران، كما أن بقاء الحصار مع قلة الموارد أو انعدام لها بالمعنى الأدق، أمور لا يجهلها الشعب، ولكن هل استطعنا أن نحول كل هذه التحديات إلى فرص جاعلين من معرفتنا بضعفنا وفقرنا  دافع نحو البحث عن البدائل، مع حسن إدارة واستثمار لكل ما هو متاح؟
وعليكم مسؤولينا الأعزاء أن تعرفوا: أن احتجاجكم علينا بفقركم، وقساوة ظروفكم وشظف عيشكم لن يعفيكم من المسؤولية مادمتم تقولون: إنكم تجسدون الثقافة القرآنية؛ التي تعلمنا أن لا أحد يستطيع أن يشل حركتك، ويمنع عنك ما تحتاجه لبناء واقعك في الحاضر والمستقبل، لأن الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأرض وقدر فيها أقواتها بما يلبي احتياجات جميع سكانها، هكذا تعلمنا الثقافة القرآنية، وتضع بين أيدينا الحقائق الدامغة عن الكون والحياة والإنسان، وتعرفنا على السنن الربانية التي تحكم الوجود كله، فكل شيء يسير بنظام، ما عدا الإنسان، فهو أكثر المخلوقات ظلماً لنفسه وأخيه الإنسان والمخلوقات والكائنات والطبيعة من حوله، وهو الوحيد الذي متى ما فسدت سريرته، ومُسخت فطرته؛ اتجه لإفساد كل شيء في الحياة، ومَن يطلع على تاريخ الأمم والشعوب؛ سيجد أن ما فعله الطغاة والظالمون والبغاة المجرمون المفسدون في الأرض عبر العصور كان ولايزال أكثر وحشية وفظاعة مما تفعله الحيوانات المفترسة سواءً ببعضها البعض أو بالإنسان من حولها.
ولكنه متى ما لزم الهدى، وتسلح بالوعي والبصيرة، وحافظ على سلامته الداخلية، وتحرك وفق ما أراده الله منه، مطلقاً العنان لفكره في النظر والدرس والتأمل لكل ما في الأنفس والآفاق، عاملاً بالقسط بين الناس؛ سما وعز وساد وارتقى وتقدم وأمن، وحاز كل ما من شأنه أن يحييه الحياة الطيبة بكل معانيها وأبعادها، حتى وإن تكالب عليه المفسدون في الأرض من ظالمين ومستكبرين فإنهم لن يقدروا على فعل شيء يمكنه أن يفسد عليه حياته، ويمنع عنه رزقه، ويحد من سبل وإمكانيات نهوضه وتقدمه، لأن خزائن السماوات والأرض بيد الله سبحانه وتعالى وحده، ولأن مَن يقف من المؤمنين بالله موقف العداء؛ سيبقى عاجزاً ضعيفاً قاصراً مهما امتلك من عوامل القوة والضغط والنفوذ والسيطرة؛ لأنه داخلٌ في مواجهة مباشرة مع الله، ومَن ذا الذي يستطيع أن يكون نداً لله مالك أمره، ومن بيده ناصيته، وله خضوعه طوعاً وكرهاً؟!

أترك تعليقاً

التعليقات