كي لا نكون ضحية ثالوث السياسة
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
ما إنْ حصلت المجتمعات العربية والإسلامية على الاستقلال الشكلي من ربقة الاستعمار الخارجي، من خلال ثورات وانتفاضات، اندلع معظمها في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، حتى وقعت في مأزق آخر، وهو: الدويلات القطرية الحديثة، والتي لم تكن هي الأخرى سوى صورة معبرة أصدق تعبير عن حقيقة مجتمعات عربية وإسلامية مأزومة سياسياً وثقافياً واقتصادياً و... و...
دويلات فاقدة أبسط المقومات التي تمكنها من البقاء أكثر على قيد الحياة، كونها جاءت من خارج الوسط الشعبي والجماهيري، فلا عن إجماع عبرت، ولا إلى شرعية استندت!
دويلات قامت بفرض نظم سياسية علمانية فجة على معظم شعوبنا ومجتمعاتنا، دويلات اتخذت من القومية تارةً، ومن الاشتراكية تارة أخرى، وثالثة من الإسلام؛ قناعاً تخفي خلفه وجهها القبيح، فكانت الاتجاهات الثلاثة هي السبب في ضرب وعي المواطن وتجميده، وعزله واستبعاده عن سوح العمل والتفكير السياسي.
وليس هذا فحسب، أي لم تقتصر الكارثة على وجود مجتمعات مكونة من أفراد عاجزين، يعانون من العقم الفكري والسياسي وشؤونهما المختلفة، بل لقد ذهبت إلى ما هو أخطر من ذلك بكثير، إذ بات المواطن العربي مبعداً تماماً حتى عن المشاركة الفاعلة الحية في الحياة العامة، فعاش عديم الوزن، فاقدا أبسط مقومات وجوده الاجتماعي والسياسي والثقافي، لا يعرف معنى الأمن والاستقرار!
لذلك لن نجانب الصواب إذا قلنا: إن المواطن العربي عاش ويعيش حياة جعلته أشبه حالاً بالفأر، فقد أجريت عليه كل التجارب لكافة أنماط وأشكال التحديث القسري، وأنماط التنمية الفوقية، وها هو لايزال واقفاً في مكانه، إذ لاتزال كل الطرق أمامه مسدودة أينما اتجه، وإذا ما حصلت بعض شعوب العرب والمسلمين على شيء من التطور فما ذاك إلا مظهر من مظاهر الحداثة القشرية الزائفة الشكلية الكسيحة، التي لم تزد في ظلها الأمور إلا سوءاً ودماراً وتحللاً وانحلالاً!
لذلك علينا كثوار وأحرار أن نعتبر والأهم أن يترسخ في وعينا الجمعي: أن الحياة بمختلف مجالاتها وجوانبها، ولاسيما الجانب الاجتماعي؛ محكومةٌ بنظم وقوانين يجب السعي لاكتشافها والتعرف عليها، لكي تصير منطلقاً لبناء المجتمع المثالي أو المدني بمدلولهما الإسلامي الأصيل، الذي يقرر أن علينا تغيير ظروفنا وأوضاعنا وحل مشكلاتنا، ومعالجة كل السلبيات والمفاسد التي تحيط بواقعنا بناءً على ما توفر لنا من علوم ومعارف كانت خلاصة ما توصلت إليه البشرية، وبالقدر الذي يجعلها قادرة على مدنا بالمعايير والحلول والمعالجات التي تتفق وتطورات العصر، وتلبي حاجة الإنسان في زمن المتغيرات الكبرى، والحياة التي تسير بجنون على كل صعيد، وإذا لم ننجح في ذلك فسوف يكون التلاشي والانهيار نصيبنا الوحيد.
ولو أننا أعدنا النظر في دراسة الأسباب والتداعيات التي أدت إلى انهيار المسلمين من الداخل، وجعلتهم خارج دائرة التاريخ، لأدركنا أنهم فشلوا علمياً ومعرفياً، فسقطوا عملياً وأخلاقياً.
وأخيراً فإنَّ فاعلية أي مشروع تغييري تبرز من خلال ما يقدمه من إسهامات ورؤى في طريق تحقيق البناء الحضاري، وإنجاز التغيير التقدمي الشامل، واللذين لن يتحققا لأي حركة ثورية إلا متى ما سعت لمد مشروعها بكل العناصر اللازمة لكي يبقى قوياً ومتجدداً، يحترم العقل، ويلتزم بأحكامه، بذلك فقط تكتسب المشاريع التغييرية القابلية والقدرة التي تمكنها من البقاء والثبات، مهما تغيرت الأوضاع، وتعددت واختلفت وتنوعت القدرات والأساليب المتبعة من قبل أعدائها، فمادام العقل هو الجوهر الذي سيقوم عليه المشروع التغييري فإنه لن يصاب بالهرم والشيخوخة، إذ سيظل يخطو خطوات نحو الأمام، خطوات كلها عزيمة وإصرار على الاستمرارية في السير بالناس في طريق تعميم وتنمية كل الأسس التي تريك النتائج والآثار التي تنعكس على حياتهم اليومية، بحيث لا يغفل عما طرأ من مستجدات وتحديات فرضها العصر، ولا يفقد توازنه إزاء ما يجده من متغيرات تحيط بالواقع، والتي عادةً ما ينتج عنها تغيير كبير من حال إلى حال، الأمر الذي يستوجب العمل على إيجاد الحلول والتصورات العملية المنسجمة مع المشروع، والملبية لتطورات الزمن، والمستوعبة لحاجات وآمال المجتمع، والمنسجمة مع أفكاره وقيمه ومعتقداته.

أترك تعليقاً

التعليقات