من لوازم الانتماء
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
دين الله ليس مقتصراً على الجانب الغيبي الذي يجعل أتباعه يلتمسون الفوز بالجنة بالعزلة عن الدنيا، والتفرغ للذكر والدعاء والصلاة والصيام وغير ذلك، ولا شأن لهم بأوضاع الناس والحياة من حولهم، وإنما هو شاملٌ للدنيا والآخرة، في ما تضمنه كتاب الله العزيز، من آيات بينات، تقدم للمصدقين بها البرنامج الشامل لكل ما يحتاجونه في كل مجالات الحياة المتعددة، وسائر شؤونهم وأحوالهم في مختلف الظروف والأزمان والأوضاع.
ولا يتوقف الأمر في هدى الله عند رسم المنهج وبيان التصور العام للإنسان والكون، بل نجده يحدد الخطة التي يجب الانطلاق وفقها لفهم هذا البرنامج المتكامل، ويبين الكيفية التي لا بد للعمل أياً كان أن ينبني على ضوئها، ويبدأ من النقاط التي توضحها له هذه الآيات، نقطةً نقطة، عندها سيتمكن السائرون في خط الله من تحقيق كل ما يتطلعون لتحقيقه، ومع ذلك فإنهم لن يحرموا من الأجر والثواب وحسن الجزاء في الآخرة، على ما قاموا به من أعمال لبناء الحياة الدنيا وإصلاحها.
ومادمنا ندعي أن منطلقاتنا قرآنية، فإن أول ما يلزمنا به هذا الانتماء هو: التمثل لتقوى الله في كل عمل نعمله، والحرص على التسليم المطلق له سبحانه، في كل ما أمر به ونهى عنه، وأرشد إليه.
يجب تعزيز الوعي بأن قضية المواجهة لليهود والنصارى والمستكبرين وأذنابهم لا يتوقف الحسم فيها على جانب القوة العسكرية، وطبيعة ما قد تمتلكه الأمة من ترسانة سلاح رادع ومدمر، إذ على التحرك لمواجهتهم أن يسير في اتجاهين هما: العمل على هزيمتهم أولاً في أوساطنا، وداخل مجتمعنا، بالمحاربة لأفكارهم وبرامجهم وأساليبهم التي تتحكم بسياستنا واقتصادنا وثقافتنا وتربيتنا وتعليمنا وإعلامنا، فإذا ما تمت هزيمتهم داخلنا بات من السهل علينا هزيمتهم في عقر دارهم. أما إذا كنا في معركة مباشرة معهم كما هو حالنا اليوم، فإن على العاملين ضبط بوصلة العمل بحيث تكون الحركة في اتجاه التصدي لهم والوقوف بوجوههم، مسنودة بالاتجاه الأول الذي بموجبه ستكون الهزيمة شاملة للعدو، ولن يتسنى له العودة إلى الواجهة مجدداً متى ما وازن العاملون بين التوجهين، فلا يطغى جانب على جانب.
وليعلم الجميع: أنه لا يمكن التقدم لأي عمل في أي مجال من المجالات إلا إذا قام على الاعتصام بحبل الله، الذي يوحد النظرة في الفكر والمفاهيم، ويوجه الجميع في مسار واحد، تتحد فيه الأهداف والدوافع والغايات، فلا يظل هنالك مدعاة للتفرق والاختلاف، وبهذا نصل إلى مقام الحصول على عوامل إيجاد الأمة الواحدة، التي تنتظم حركتها في الحياة بموجب وعيها للمسؤولية الاجتماعية، المعبر عنها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق ما يقرره مقتضى الإيمان بالله، عندها يصير الفلاح هو المشهد العام في كل شيء.
وأخيراً فإن سنن الله التي تسير هذه الحياة وتحكم حركة هذا الكون تقرر: أن مرد كل خلل أو ضعف أو تراجع إلى النفس التي لو أنها غيرت داخلها لغيرت العالم كله، فإن كل شيء متاح لنعمل كل ما نريد، ونحصل على كل ما نحتاج، فليس هناك ما هو مستحيل في سنن الله وقوانينه المفروضة على الكون لتنظيم حركته، ولكن منشأ العجز وافتراض المستحيل ينبعان من داخل النفس، التي لا تثق بالله، ولا تهتدي بهديه.
إذن: فكل مقصر في عمله بحجة قلة الإمكانات هو قاصرٌ في وعيه والتزامه وإيمانه، فقط لا غير، مهما حاول التخفي وراء الأعذار، والتحجج بالمبررات المادية وغيرها.

أترك تعليقاً

التعليقات