الفرادة الفكرية
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
لا قيمة لأي فكرة ما لم تحدث هزةً في هذا الجمود والموات الإسلامي العربي العام، وتصنع نهضة وحركة تنبجس من بين كل هذا الركام. فكرةٌ تحقق الفرادة لنفسها ولصاحبها، وهذه الفرادة تتحقق وتشتد قوة حينما تترجم في واقع اجتماعي وتحدث تغييرا نوعيا يدفع بالمجتمع إلى مصاف الدول المتحضرة نوعيا وكميا.
وهذا لا يتم إلا بالنقد البناء، ورفض التنميط بكافة أشكاله، ومحاولة القراءة الابتكارية للواقع، وامتلاك قدرة للخروج من الصناديق كافة مذهبية أو اجتماعية أو عصبوية، والتفكير الحر الذي لا يخضع لحسابات البيدر والميدان، كالحزبية والقبلية، أو الارتباط بمصالح مالية أو سياسية أو سلطوية. هي تحرر في الطرح خارج المألوف والإجماع.
وهي حالة نقد مستديم إيجابي للواقع، ومحاولة النهوض به حتى لو كانت منطلقة من فهم للواقع يختلف عن فهم التيارات كافة.
الفرادة الفكرية في خصومة مع التقليد النمطي، وفي اندماج مع النظر والتأمل والخيال، الفرادة لا تتحقق مع المسلمات الكثيرة النمطية القائمة على التقليد، ولا مع اليقينيات المطلقة دون بحث وتنقيب ودليل.
وتتحقق الفرادة الفكرية لا بعنوان التقليد ولا الإخضاع والإذلال، وإنما بفعل التفكير والنظر والإقناع والتأثير، الفرادة لا تعني الأنا ولا فقط الذات، بل تعني النهوض بهذه الذات في سياق نهضة المجتمع والأمة.
والالتفات لعملية التفكيك البطيء لمنظومتنا المعرفية بعد العولمة، يحتاج إلى وعي وإدراك لكل بنية الحداثة الغربية وبنية الإسلام، لمعرفة الفروقات الجوهرية في البنى الفلسفية لكلا الحضارتين ومن ثم التمييز بينهما تمييزا مجهريا دقيقا، لنتمكن من الاستفادة من كل التجارب البشرية بطريقة تلاقحية لا تبدل الأصيل الثابت، لكن تطور سياقاتنا المعرفية وأدواتها، وتنهض بفهمنا وإدراكنا بما ينعكس بشكل إيجابي على سعينا نحو التطوير والنهضة في مساراتهما المعرفية السليمة، بعيدا عن التمييع والتركيب المصطنع.
يرى الفيلسوف وعالِم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم أنّ تبني مقاربة فردانية للمعرفة، أي الاعتقاد أنّ المعرفة تنطلق من التجربة الفردية، يثير بالضرورة مشكلات يستحيل حلها. ذلك أنّ الأشياء التي يجربها الأفراد تتغير من يوم لآخر ومن لحظة لأخرى. فلا شيء يعيد إنتاج نفسه بصورة متطابقة، كما أنّ مجرى التجربة في حالة ما إذا كان الأفراد لم يكتسبوا بعد مقولات الفكر العامة يخضع لعملية تطور دائم وتمايز مستمر (بما أنه في تدفق لا يتوقف فضلاً عن ذلك، فحتى وإن كان من الممكن الاعتراف بأنّ التجارب الفردية الخاصة صادقة تجريبياً، فإنّ كل محاولة للتعميم انطلاقاً منها تبقى غير صادقة إذا لم يكن ما أُضِيفَ أثناء عملية التعميم هذه خاصيةً أوليّةً للتجارب الخاصة. لكن ما الذي يميّز في هذه الحالة مقولة عامة عن تجربة مواضيع وأحداث خاصة؟ إذا كانت المقولات العامة شيئاً لا يوجد في التجارب الخاصة المأخوذة كُلّ واحدة على حدة، أي إذا كانت شيئاً أضافه العقل إلى مجموع الكيانات الخاصة، فإنّ الأفكار العامة تخلو من كلّ صدق تجريبي.

أترك تعليقاً

التعليقات